Tasawwuf Wa Imam Shacrani
التصوف الإسلامي والإمام الشعراني
Nau'ikan
ولبث الشعراني في مسجد الغمري يعلم ويتعلم ويتهجد ويتعبد سبعة عشر عاما، ثم انتقل إلى مدرسة أم خوند، وفي تلك المدرسة بزغ نجم الشعراني، وتألق تألقا ملأ الدنيا حوله صياحا؛ صياحا امتزج فيه هتاف الإعجاب من محبيه بعاصفة الانتقاد والافتراء من حساده وشانئيه.
وقد حاول بعض المستشرقين، وجاراهم بعض دارسي الشعراني من المعاصرين، أن يلقوا ظلالا من الشكوك والريب حول انتقاله المفاجئ من مسجد الغمري إلى مدرسة خوند، فحاكوا أسطورة خيالية حول حب الشعراني لابنة شيخ مسجد الغمري، وغضب والدها لذلك، ولم يأتوا بدليل واحد على دعواهم، وإنما أقاموها استنتاجا خياليا؛ لأنهم كما يقولون لم يجدوا مبررا لهذا الانتقال، فلا بد إذن أن يكون هناك ثمة سبب خفي. وهذا السبب الخفي لا بد وأن يكون شجارا بين الشعراني وشيخ المسجد، وهذا الشجار لا بد وأن يكون أساسه حبا فاشلا بين الشعراني وابنة الشيخ.
وتلك الأسطورة الاستنتاجية أشبه بالروايات المهلهلة التي أولع بها كتاب القصص الذين لا ينظرون إلى الحياة إلا من وراء عدسات الخيال الجنسي.
ويحدثنا علي مبارك عن تلك الفترة من حياة الشعراني فيقول: «لقد راض الشعراني نفسه على النهج الصوفي وهو في جامع الغمري، فطار ذكره وذاع في الناس أمره، وكان شيخه علي الشوني قد أذن له في أن يرتب بهذا المسجد مجلسا للصلاة والسلام على رسول الله، ولكن أولاد الغمري أكل قلوبهم الحسد على تلك المكانة العالية التي ظفر بها الشعراني، فطلبوا منه أن يغادر مسجدهم.»
ويروي صاحب النور السافر أن الشعراني أخذته حالة وجد ذات يوم، فصاح باسم الله صيحة ارتجت لها جدران المسجد، وكاد يتصدع منها بيت الشيخ أبي الحسن الغمري، وكان على كثب منه، فاستفسر هذا عن صاحب الصوت حتى إذا عرفه هم بالرحيل إلى بيت آخر، ولكن الشعراني كان قد سبقه إلى الرحيل تاركا وراءه كل ما يملك، وولى وجهه شطر بين السورين، حتى حط رحاله بمدرسة أم خوند، وأقام تجاهها ستة أيام، فرأى في منامه أن رسول الله - صلوات الله عليه - قد أذن له بالإقامة بها، فدخلها مع أسرته.
ولا تعارض في الجوهر بين رواية علي مبارك وبين رواية صاحب النور السافر؛ ففي الرواية الأولى أن أولاد الغمري نفسوا عليه مكانته حتى طلبوا منه الرحيل عن مسجدهم.
وفي الرواية الثانية أن الشيخ تظاهر بالرحيل لسبب تافه يضمر وراءه أكثر من معنى، وأدرك الشعراني الغاية والهدف من هذا التظاهر؛ فسارع هو بالانتقال أدبا مع شيخه، واختصارا للخطوة الثانية التي لا ريب فيها، بعد أن طغى اسم الشعراني على الشيخ وعلى أسرة الشيخ.
وإذن فهذا الانتقال كان سره التنافس والحسد لا الحب والهوى. كان ضرورة طبيعية للشعراني، فقد آن أن يستقل بنفسه وبمجالسه العلمية، وآن له أن يكون صدرا لهذه المجالس لا مجرد تابع وتلميذ.
الشعراني طالب العلم
جاء الشعراني من قريته إلى القاهرة مهاجرا في سبيل العلم، فعاش تحت ظلال المساجد ليله ونهاره، متبتلا في طلب العلم، عالما في التعبد، عاش للعلم والتقوى تقيا طاهرا مجدا مكافحا.
Shafi da ba'a sani ba