Tasawwuf: Juyin Juya Hali na Ruhaniya a Musulunci
التصوف: الثورة الروحية في الإسلام
Nau'ikan
20 (4) أبو يزيد البسطامي
إذا كان المحاسبي والجنيد وذو النون المصري يمثلون النزعة الإسلامية المعتدلة في أقوالهم في الحب الإلهي، فإن أبا يزيد البسطامي يمثل نزعة غالية لا نستطيع أن نصفها بأنها «سنية» خالصة. فقد كان هذا الصوفي الوارث الحقيقي للعقلية الإيرانية القديمة؛ ولذا تجاوز تصوفه الحدود السنية التي ذكرناها، وكاد يقول بوحدة الوجود التي لا يمكن التوفيق بينها وبين الفكرة الإسلامية في توحيد الله. نعم لم تكن له نظرية خاصة في وحدة الوجود، ولكنه كان من غير شك من أوائل الذين مهدوا لظهور هذه النظرية في العالم الإسلامي فيما بعد، ولذا نعتبره هنا - كما نعتبر الحسين بن منصور الحلاج - ممثلا لمرحلة انتقال خطيرة بين التصوف غير الفلسفي والتصوف الفلسفي القائم على القول بوحدة الوجود.
ويعبر أبو يزيد عن الحب الإلهي في أساليب رمزية مملوءة بالشطح والألغاز كعادته في معظم أقواله، فيصف الصوفي في حبه لله ومعراجه إليه بأنه طائر يسبح في فضاء اللا نهائية، متحرر من قيود الزمان والمكان، يطير في سماء «الهوية» ويدخل في فلك «التنزيه» ويشاهد شجرة الأحدية (بدلا من شجرة المنتهى التي شاهدها النبي في معراجه)، له جناحان من «الديمومة» يطير بهما في ميدان «الأزلية».
21
هذا كلام رجل مأخوذ عن نفسه، مسلوب عن صفاته، خارج عن حدود ذاته الزمانية والمكانية. فزمانه في حال جذبه «الديمومة» ومكانه «اللانهاية» وسماؤه «الهوية» وشجرة منتهاه «الأحدية»، وكل هذا وصف للحال الصوفية التي يسمونها «الفناء»، وإنه ليخيل لمن يقرأ ترجمة حياة أبي يزيد أنه كان في حال فناء دائمة؛ لأنه لا يشاهد في الوجود إلا الله متجليا بصفاته الخاصة به وهي الأزلية والأبدية والتنزيه والأحدية: لأنه غني عن الكثرة والتعدد وما يلزمهما من صفات، بل إنه فني عن شعوره بذاته، ومن أجل فنائه عن ذاته وبقائه بالحق شعر أنه متصف بالصفات السابقة كلها فقال: «فلما نظرت وجدت أنني هذه الأشياء كلها.» وهي في الحقيقة صفات للحق لا له. بل إنه قد أثر عنه أنه قال عن نفسه في مثل هذه الحال ما هو في ظاهره أعظم شناعة وأشد جرأة من هذا، وهو قوله: «سبحاني ما أعظم شأني.»
22
قال الجنيد في معرض الاعتذار عنه: «إن الرجل مستهلك في شهود الجلال فنطق بما استهلكه، أذهله الحق عن رؤيته إياه فلم يشهد إلا الحق فنعته.»
23
وفي مقام الاتحاد بين المحب والمحبوب يقول أبو يزيد في جرأة عجيبة: «رفعني مرة فأقامني بين يديه وقال لي: يا أبا يزيد إن خلقي يحبون أن يروك، فقلت: زيني بوحدانيتك وألبسني أنانيتك وارفعني إلى أحديتك حتى إذا رآني خلقك قالوا رأيناك فتكون أنت ذاك ولا أكون أنا هناك.»
24
Shafi da ba'a sani ba