Zamanin Tashi: Tarihin Al'ummar Larabawa (Sashi na Biyu)
عصر الانطلاق: تاريخ الأمة العربية (الجزء الثاني)
Nau'ikan
نظم الرسول الكريم شئون حكومته الإدارية والديوانية تنظيما كاملا بعد أن استقر أمره في المدينة، وقد اتخذ المسجد مقر حكومته يحكم فيه، ويتقبل زيارة الوفود، ويفصل فيه بين الناس، ويعلمهم أمور دنياهم، ويفقههم في أمور دينهم. ولم يكن تنظيم النبي الكريم لأمور الدولة تنظيما ناقصا كما يزعم ابن خلدون في مواضع كثيرة من مقدمته، ومنها قوله في الفصل الذي عنوانه (انتقال الدولة من البداوة إلى الحضارة): اعلم أن هذه الأطوار طبيعية للدول؛ فإن الغلب الذي يكون به الملك إنما هو بالعصبية وما يتبعها من شدة البأس وتعود الافتراس، ولا يكون ذلك غالبا إلا مع البداوة؛ فطور الدولة من أولها بداوة، ثم إذا حصل الملك تبعه الرفه واتساع الأحوال. والحضارة إنما هي تفنن في الترف وإحكام الصنائع المستعملة في وجوهه ومذاهبه ... ومثل هذا وقع للعرب لما كان الفتح، وملكوا فارس والروم، واستخدموا بناتهم وأبناءهم، ولم يكونوا لذلك العهد في شيء من الحضارة حتى حكي أنه قدم لهم المرقق، فكانوا يحسبونه رقاعا، وعثروا على الكافور في خزائن كسرى فاستعملوه في عجينهم ملحا ...
63
إلخ تلك الأقوال السخيفة التي لا تقوم على شاهد، وإنما هي من تلفيق الشعوبيين وأعداء العرب والإسلام، مع أن الدولة الإسلامية المحمدية كانت وليدة نهضة عربية قوية أخذت من حضارة العرب القديمة خير ما فيها، وجاء محمد مكملا لنواقص تلك الحضارة بما حباه الله من عقل وعلم، وحكمة وعرفان. وإن من يدقق في سيرة النبي وأصحابه وأخبار الأمة العربية في صدر الإسلام، يجد أن القوم كانوا متمتعين بنوع من الحكم الراقي المنظم، وأن النبي الكريم قد عمل خلال سنيه العشرة التي أقامها في المدينة على تأسيس حكومة كاملة المصالح مرتبة الشئون والإدارات والتراتيب والعمالات. يقول القاضي أبو القاسم صاعد بن أحمد الأندلسي: وأما الأمة السابعة، وهي الأمة العربية، فهم فرقتان: فرقة بائدة وفرقة باقية ... وأما الباقية فهي متفرعة من جدين: قحطان وعدنان، ويضمهما جميعا حالان: حال الجاهلية وحال الإسلام؛ فأما حال الجاهلية فمشهورة عند الأمم من العز والمنعة ... وكانوا طبقتين: أهل مدر وأهل وبر؛ فأما أهل المدر، فهم أهل الحضر وسكان القرى، وكانوا يحاولون المعيشة من الزرع والنخل والكرم والماشية والضرب في الأرض للتجارة ... وكانت عبادة الأوثان فاشية في العرب حتى جاء الإسلام. وجميع عبدة الأوثان من العرب موحدة الله تعالى، وإنما كانت عبادتهم ضربا من التدين بدين الصابئة ... وأما علمها الذي كانت تفاخر به وتباري فيه، فعلم لسانها وإحكام لغتها ونظم الأشعار وتأليف الخطب، وكانت مع ذلك أصل علم الأخبار، ومعدن معرفة السير والأمصار ... وكانوا يدخلون البلاد للتجارة فيعرفون أخبار الناس، وكذلك من سكن الحيرة وجاور الأعاجم ... والعرب أصحاب حفظ ورواية لخفة الكلام عليهم ورقة ألسنتهم ... وكانت للعرب مع هذا معرفة بأوقات مطالع النجوم ومغاربها، وعلم بأنواء الكواكب وأقطارها على حسب ما أدركوه بفرط العناية وطول التجربة؛ لاحتياجهم إلى معرفة ذلك في أسباب المعيشة، لا على طريق تعلم الحقائق، ولا على سبيل التدرب في العلوم ... وأما حال العرب في الإسلام ... كانت العرب حين بعث النبي قد تفرق شملها وتشتت أمرها، فضم الله شاردها وسكن نافرها، وجمع عليه جماعة ممن كانوا بجزيرة العرب من قحطان وعدنان، فآمنوا به ... وأقروا لله بالتعظيم والتحميد، والتزموا شريعة الإسلام من اعتقاد حدوث العالم وخرابه ... والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ...
64
ويقول السيد عبد الحي الكتاني: من عرف نهضة الإسلام وتعاليم النبي (عليه السلام)، وأمعن النظر في تلك النهضة، تحقق أن ليس هناك من أساليب التمدن ما لم يكن الإسلام في وقت ظهوره أصلا له وينبوعا. فمن تأمل ما بثه النبي
صلى الله عليه وسلم
من التعاليم وأنواع الإرشاد، وما حوى القرآن من آداب الاجتماع وسن من طرق التعارف والتمازج، وما أودع الله غضون كلماته الجوهرية من أحكام الطبيعة وأسرار الوجود وفرائد الكائنات، وما ضبط من الحقوق وسن من نظامات الحياة، وما تلته به السنة النبوية من تهذيب النفوس والأخلاق والإرشاد للأخذ بالأحسن فالأحسن، وأحكمته من سنن الارتقاء والإخاء البشري والتمتع بضروب الحرية، علم أن التمدن الإسلامي في إبان ظهوره قامت معه تلك الأعمال لتأثير تلك التعاليم على قلوب سامعيها في ذلك الحين. نعم لا ننكر أن التمدن الإسلامي جرى مجرى النشوء الطبيعي في كل شيء، وسار سيرا تدريجيا إلى أن وصل إلى أوجه في السمو، فمن لم يتأمل ذلك ولم يحط نظرا في الموضوع بما له وما عليه، لا بد أن يغيب عن علمه ما بلغته الإدارات والعمالات والصناعة والتجارة في تلك العشر سنوات التي قضاها النبي
صلى الله عليه وسلم
في المدينة بعد الهجرة النبوية، وأن الترقي والعمران وصل فيها إلى أحدث ما يعرف من الوظائف اليوم في إدارة الكتابة والحساب والقضاء والحرب والصحة ونحو ذلك.
65
Shafi da ba'a sani ba