Tarihin Tamaddun Musulunci
تاريخ التمدن الإسلامي (الجزء الأول)
Nau'ikan
كان لتلك المناقب تأثير عظيم في من يدخل تحت سلطان المسلمين من رعايا الروم أو الفرس، وتلك كانت الوصية الأولى التي يتزودون بها إذا خرجوا للفتح، وإليك وصية أبي بكر لأسامة يوم خروجه بالمسلمين إلى الشام قال «لا تخونوا ولا تغدروا ولا تغلوا، ولا تمثلوا ولا تقتلوا طفلا ولا شيخا كيبرا، ولا تعقروا نخلا أو تحرقوه ولا تقطعوا شجرة مثمرة ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيرا إلا لله، وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له».
وفي حكاية بناء الفسطاط ورفق عمرو بن العاص باليمام الذي كان معششا في فسطاطه ما يدل على رغبتهم في الرفق. (2-12) التسوية بين الناس
ومن هذا القبيل التسوية بين طبقات الناس، رفيعهم ووضيعهم، ومن أوضح الأدلة على ذلك ما كان من أمر جبلة بن الأيهم ملك غسان لما أسلم في زمن عمر بن الخطاب وجاء المدينة بخيله ورجله، وقد فرح عمر بإسلامه وخرج أهل المدينة للنظر إلى موكبه وفيه الخيول المعقودة أذنابها وفي أعناقها سلاسل الذهب وعلى رأس جبلة تاج مرصع بالجوهر، على أن ذلك لم يمنع عمر من إقامة الحد عليه، لما وطئ أحد بني فزارة إزاره وهو يطوف بالكعبة فرفع جبلة يده وهشم أنف الفزاري، فاشتكاه الفزاري إلى عمر فبعث إلى جبلة فأتاه فقال له «ما هذا؟» قال «نعم يا أمير المؤمنين، إنه تعمد حل إزاري ولولا حرمة الكعبة لضربت بين عينيه بالسيف»، فقال عمر «قد أقررت على نفسك، فإما أن ترضي الرجل وإما أن أقيده منك فآمره بهشم أنفك كما فعلت به» فقال «وكيف ذلك يا أمير المؤمنين وهو سوقة وأنا ملك؟!» فقال «الإسلام جمعك وإياه، فلست تفضله إلا بالتقى والعافية» فلم ير جبلة مخرجا من حكم عمر إلا بالفرار، فهرب إلى القسطنطينية ولم يرجع إلى بلاد العرب.
ومثلها حكاية القبطي الذي ضربه ابن عمرو بن العاص وذهب إلى عمر بن الخطاب في المدينة فاستعاذ به، فبعث عمر إلى عمرو فاستقدمه وابنه، فلما جاء أعطى الخليفة القبطي سوطا وأمره أن يضرب ابن عمرو فضربه، وأراد أن يضرب أباه عمرا فقال عمرو «إنما ابني الذي ضربه»، فقال له «يا عمرو، منذ كم تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟».
ولا يخفى ما كان لهذه المناقب من التأثير في تعجيل الفتح، لأن أهل الشام والعراق ومصر كانوا يشكون استبداد حكامهم فيهم واحتقارهم إياهم، فلما علموا بعدل المسلمين ورفقهم مالوا إليهم. (2-13) استبقاء الناس على أحوالهم
كان العرب إذا فتحوا بلدا أقروا أهله على ما كانوا عليه من قبل لا يتعرضون لهم في شيء من دينهم أو معاملاتهم أو أحكامهم المدنية أو القضائية أو سائر أحوالهم، كذلك فعلوا بمصر لما فتحها عمرو بن العاص، فإنه جعل أمور الأقباط لأنفسهم يحكم في مصالحهم قضاة منهم، وفعلوا مثل ذلك في معظم ما فتحوه من البلاد.
وكان المسلمون يفرضون على من يقبل البقاء على دينه من أهل البلاد المفتوحة ضريبة تسمى الجزية في مقابل حمايتهم وتأمينهم، وكان الروم قد تعودوا أداء مثل هذا المال للعرب المقيمين في حدود الشام من الغساسنة وغيرهم، يبتاعون به نصرتهم على الفرس، كما كان الفرس يؤدون المال إلى عرب العراق لينصروهم على الروم.
وأما العرب فقد اشترطوا مع دفع المال الخضوع لهم عملا بنص الآية
حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ، وكانوا مع ذلك يتعهدون بحماية الذين يدفعون الجزية أي يعتبرونهم في ذمتهم، ولهذا فقد سموا أهل الذمة، والغالب أن يراد بها حماية أهل البلاد الأصليين من حكامهم الروم، لأنهم كانوا يريدون الخروج من طاعتهم وهم يخافون سطوتهم.
وترى ذلك واضحا في كلام عبادة بن الصامت للمقوقس حاكم مصر ولسائر القبط لما دعاهم إلى الإسلام فقد قال لهم «وإن أبيتهم إلا الجزية فأدوها إلينا عن يد وأنتم صاغرون، وأن نعاملكم على شيء نرضى به نحن وأنتم في كل عام أبدا ما بقينا وبقيتم ونقاتل عنكم من ناوأكم وتعرض لكم في شيء من أرضكم ودمائكم وأموالكم، ونقوم بذلك عنكم إن كنتم في ذمتنا وكان لكم به عهد علينا ... إلخ»، ومثله كتاب خالد بن الوليد إلى ابن نسطونا في العراق، وغيره من كتب العهود لأهل الذمة وهي كثيرة، ويؤيد ذلك أن المسلمين لما دعوا إلى الاجتماع في اليرموك، وكانت حمص في ذمتهم، ردوا إلى أهلها ما كانوا أخذوه منهم من الجزية وقالوا «قد شغلنا عن نصرتكم والدفع عنكم فأنتم على أمركم»، فقال أهل حمص «لولايتكم وعدلكم أحب إلينا مما كنا فيه من الظلم والضيم، ولندفعن جند هرقل عن المدينة مع عاملكم» وكثيرا ما كانوا يعفون غير المسلمين من الجزية إذا تعهدوا بالقتال معهم، وأكثر ما يكون ذلك مع العرب النصارى، ولكنه وقع مع غير العرب كالجراجمة وغيرهم.
Shafi da ba'a sani ba