ووصل أنيبال إلى جبال الألب الفاصلة بين فرنسا وإيطاليا بعد أن حارب أغلب القبائل والأمم الواقعة على طريقه، ولم يلتفت إلى الجنود التي أرسلها الرومانيون إلى مرسيليا لقطع خط الرجعة عليه، ولم يحاربهم بل جد في اجتياز جبال الألب الوعرة المسالك الضيقة المفاوز لا تعوقه وعورتها ولا توقفه صعوبتها، بل كان يفتح الطرق ويوسعها لمرور جنوده غير مبال بما يتكبده من المتاعب ويهلك في هذه الأعمال الشاقة من الرجال والدواب، ناظرا إلى الإمام فقط شأن أولي العزم من الرجال وأولي الحول والقوة من القواد حتى اجتاز هذه الطريق التي لم يسلكها جيش قبله، ولم يصل إيطاليا إلا بنصف جيشه وهلك الباقي في الطريق، البعض من محاربة القبائل التي اعترضته والباقي في مضايق الألب.
وبمجرد وصوله شمال إيطاليا عاقب قبيلة (تورين) على عدم مساعدتها له، ودخل مدينتهم عنوة، وجعل عاليها سافلها.
2
ولقد أدهشت الرومانيين هذه السرعة العجيبة حتى عدلوا عن مشروعهم الأول، وهو إرسال الجيوش إلى نفس قرطاجة حتى يضطر أنيبال إلى العودة إليها لحمايتها، واستدعى السناتو القنصل سمبرونيوس (Semprenius)
بعد أن انتصر على مراكب القرطاجيين، واحتل جزيرة مالطة، واسترجع القائد سيبيون من غاليا (فرنسا)، وجمع جيشا بأعالي إيطاليا لصد أنيبال وإيقافه في سيره نحو رومة.
فانتصر أنيبال على سيبيوس بالقرب من نهر (تسينو) وجرح القائد الروماني؛ فتقهقر بجيوشه إلى ما وراء نهر (بو)، وانضم بجيوشه إلى القنصل سمبرونيوس، وتحصن في موقع منيع على نهر (تريبيا)، فاحتال عليهم أنيبال حتى أخرجهم من هذا الموقع الحصين، وانتصر عليهم نصرا مبينا بعد قتال شديد قتل فيه - على ما جاء في كتب الثقات - ثلاثون ألفا من الرومانيين، ولم ينج سمبرونيوس بمن بقي معه إلا بعد أن زهقت النفوس وتناثرت الرؤوس ودخل ببقايا جيشه إلى مدينة (بليزانس) حيث حاصره القرطاجيون (218ق.م).
وبعد هذا النصر العظيم قصد أنيبال أن يجتاز جبال (ابنينو) الحائلة بينه وبين رومة، لكنه لم يتمكن من إتمام مشروعه لدخول فصل الشتاء، وتراكم الثلوج في مضايق هذه الجبال.
وبسبب انتصاراته السريعة انضم إليه كثير من الغاليين القاطنين في شمال إيطاليا طمعا في الغنيمة، وأتوا إلى معسكره أفواجا حتى عوضوا أغلب من قتل من رجاله في هذه الحروب المتواصلة ضد الطبيعة تارة، وضد الرومانيين تارة أخرى.
وبمجرد ما ابتلج فجر الربيع وذابت الثلوج وسهل المرور نوعا شرع أنيبال في الزحف على رومة، وسار من أقصر الطرق ولو أنها أصعبها اجتيازا إذ كان يلزمه المسير ثلاثة أيام في وسط مستنقعات وأدغال، لكن لم تقعد هذه الصعوبات همته، بل اجتازها كما اجتاز جبال الألب وتغلب عليها كما تغلب على جميع المواقع التي اعترضته من قبل.
كل ذلك والرومانيون لم يبدوا أقل اهتمام يمنعه من التقدم، بل تربصوا له بجيوشهم بالقرب من بحيرة (تراسيمين) المسماة الآن بحيرة (بيروزه) تحت قيادة قائدهم الشهير (فلامينيوس).
Shafi da ba'a sani ba