ولما ازدادت سلطة الشعب وبالتالي سلطة نوابه (تريبان) ورأى الأشراف أن لا بد من امتدادها سنة عن سنة أرادوا أن يستفيدوا بهذه السلطة ويحولوها لمنفعة طبقتهم بحصولهم عليها كلها أو بعضها بالانتخاب، وذلك باستمالة المنتخبين وبذلهم المال والعطايا لهم، فشعر النواب بهذه المساعي التي لا يكون وراءها إلا ضياع كل ما تحصلوا عليه من الحقوق ونالوه من المزايا بعد العناء والتعب، واستصدروا قرارا من الأمة في سنة 447ق.م يحجر على الأشراف أن ينتخبوا في هذه الوظائف، وأن تبقى محتكرة لباقي طبقات الأهالي دونهم.
وفي هذه السنة وجه الشعب اهتمامه لمسألتين عظيمتين كانتا من أكبر المميزات بينه وبين الأشراف، أولاهما احتكار الأشراف لجميع وظائف الحكومة، والثانية عدم جواز التزاوج بين الطبقتين، فتحصلوا في الأولى على بعض الشيء وهو تعيين أمناء الخزينة العمومية وقضاة تحقيق الجنايات بواسطة الانتخاب العمومي بدون تمييز بين الطبقات؛ أي من الأشراف أو غيرهم على حد سواء، وكان تعيينهم قبلا بمعرفة القناصل وهم ينتخبونهم طبعا من الأشراف لعدم ثقتهم في غير أهل طبقتهم، وأما المسألة الثانية وهي عدم التزاوج بين الطبقتين فتحصلوا في سنة 445 على لغوها بالمرة بهمة النائب كانوليوس، وذلك أنه بعد أن تجمهر الأهالي وأظهروا استعدادهم للثورة خضع السناتو لطلبهم لاعتقاده أن الأخلاق والعوائد تمنع تنفيذه وتبقي الانقسام الأصلي على حاله، وأن طبقة الأشراف تستمر على عدم الاختلاط بمن هو أدنى منها في اعتقادها، وبعد ذلك طلب الشعب أن يعين من بين أفراده أحد القنصلين واثنان من مراقبي المالية (وكان لهم اختصاص نظار المالية الآن) فحاول السناتو واستعمل الدهاء وقرر أن يعين مراقبو المالية من الأشراف وغيرهم بدون تخصيص فمنح الشعب حقا يسهل عليه حرمانه منه، وفي الواقع لم يعين في هذا المنصب أحد من الأهالي عدة سنوات متوالية.
وأما مسألة تخصيص إحدى وظيفتي الرئاسة العظمى (قنصلية) بالأهالي والأخرى بالأشراف فراوغ فيها السناتو وصمم على رفضها وبقاء الوظيفتين في طبقة الأشراف، لكن لما رأى المماطلة لا تفيده شيئا، وأنه لا بد له من الرضوخ لطلبات الشعب بأجمعها إن أصر على المعارضة؛ قرر في سنة 444 بتعديل القانون الأساسي بكيفية ترضي الشعب ولا تسلب الأشراف جميع امتيازاتهم، بل تمنح الشعب بعض مزايا ظاهرية تسكن هياجه وتطفئ لهيب اشتياقه إلى تقلد الوظائف العالية ومشاركة الأشراف في المناصب، وبيان ذلك أن يعين ثلاثة موظفون عالون أو أكثر حسب الأحوال يكون انتقاؤهم من جميع الأهالي بدون نظر إلى حسب أو ثروة يقومون مقام القنصلين اللذين تلغى وظيفتهما ويعطى لهم لقب (نائب قنصلي) لجمعهم بين بعض اختصاصات نواب الأمة وبعض اختصاصات القناصل.
ولا تعطى لهؤلاء الموظفين جميع اختصاصات القناصل ، بل تجزأ سلطتهم بين عدة موظفين آخرين يختص ببعضها الأشراف دون غيرهم بحيث لا يبقى لهم إلا الاختصاصات الآتية:
أولا:
يجب أن لا تنحصر قيادة الجيش في أحدهم، بل يكون كل منهم قائدا لفرقة معينة؛ حتى لا تكون لأحدهم سلطة جسيمة يمكنه استعمالها لتنفيذ أغراض حزبه أو مطامعه الخصوصية.
ثانيا:
القضاء المدني؛ أي الحكم في المسائل المدنية.
ثالثا:
رئاسة مجلس السناتو والجمعيات العمومية.
Shafi da ba'a sani ba