126

Tarihin Misra Tun Daga Fatan Usmani Har Zuwa Kafin Lokacin Yanzu

تاريخ مصر من الفتح العثماني إلى قبيل الوقت الحاضر

Nau'ikan

وأما بقية الدول العظام فقد أزعجها تدخل الروسيا، فاستفسر «الكونت بروكش أوستين» سفير النمسا في مصر من محمد علي عن أغراضه، واجتهدت إنجلترا وفرنسا في إيقاف زحف إبراهيم، ونصحتا للباب العالي أن يتنازل عن صيداء وعكاء ونابلس وبيت المقدس إلى محمد علي. إلا أن هذا أبى إلا كل بلاد سورية وأذنة، وأمر إبراهيم بالزحف على الأستانة؛ وذلك بتحريض من فرنسا لأنها رغم اتفاق سفيرها مع السفير الإنجليزي في الأستانة كانت تعمل في الخفاء مع محمد علي، وتشجعه بتوسط سفيرها في القاهرة رغبة في ازدياد نفوذها في البلاد المصرية.

فلما احتل إبراهيم باشا «كوتاهية» (فبراير سنة 1833م) اضطر الباب العالي إلى طلب المساعدة من الروسيا رسميا، فأرسلت له جيشا مؤلفا من 12000 مقاتل تساعده عمارة بحرية، وعسكر الجيش على الشاطئ الآسيوي عند «أنكيار سكلسي» - هنكار إسكله سي - على البسفور؛ فأقلق تدخل الروسيا بال فرنسا وإنجلترا، فشددتا على الباب العالي في الاتفاق مع محمد علي؛ فأبرم معه اتفاق «كوتاهية» في (ذي الحجة سنة 1248ه/مايو سنة 1833م)، وبه ولى الباب العالي محمد علي بلاد سورية، وجعل إبراهيم باشا محصلا لولاية أذنة، وعلى ذلك تم الصلح واطمأن خاطر إنجلترا وفرنسا من جهة روسيا.

أما قيصر روسيا فإنه لم يقف عند ذلك الحد، بل اجتهد في إقناع السلطان أن كيان دولته يتوقف على مساعدة الروسيا لها ومحالفتها إياها؛ فاقتنع بذلك لما رآه من خذل الدول الغربية له، وأبرم معاهدة هجومية دفاعية مع الروسيا تعرف بمعاهدة «أنكيار سكلسي» - هنكار إسكله سي - في (صفر سنة 1249ه/يونيو 1833م). وأهم شروطها أن تتعهد روسيا بحماية البلاد العثمانية من إغارة أي دولة، وفي مقابل ذلك تتعهد الترك بإغلاق الدردنيل في وجه أساطيل جميع الدول. وكان إبرام هذه المعاهدة سرا بدون علم الدول الأخرى. (6-1) حكومة محمد علي في بلاد الشام وغزوته الثانية لها

لم يكن اتفاق كوتاهية حلا نهائيا للنزاع بين الدولة العثمانية ومحمد علي؛ إذ كان هذا من جهة يعتقد أن حكمه في كل الولايات التي تحت سلطته لم يكن إلا لأجل محدود، وكان على يقين أن الباب العالي لا بد أن ينزعها من يده متى سمحت له قوته وساعدته الأحوال، وأن ما امتلكه بحد السيف لا بد له أن يعمل جهده ليحافظ على كيانه بحد السيف أيضا، فأفلح في إثارة نار الفتنة في بلاد ألبانيا، وكان يدس الدسائس في الأستانة لخلع محمود الثاني وتولية ابنه عبد المجيد مكانه. ومن جهة أخرى كانت الإشاعات تتواتر أن السلطان يريد الاستفادة من معاهدة «أنكيار سكلسي» بإعلان الحرب على محمد علي، وكانت الفرص مساعدة للسلطان؛ إذ تألب معظم أهل الشام على إبراهيم باشا، وثاروا في وجهه، وابتدأ تذمرهم منه في ربيع عام (1250ه/1834م).

والسبب في ذلك يرجع إلى عسف حكومته وظلمها؛ إذ اتضح جليا لأهل الشام أن حكومة الباب العالي كانت أقل ظلما، وأحسن حالا من حكومة محمد علي. وقد ذكرنا آنفا أنه لما دخل إبراهيم باشا بلاد الشام قابله الأهالي بالتهلل والاستبشار والتفوا حوله، وإنما كان ذلك يرجع إلى أمرين:

الأول:

عدم ميل الأهالي إلى السلطان محمود الثاني من جراء المصائب التي انصبت على الدولة العثمانية في مدته، ولا سيما إبرامه لمعاهدة «أدرنة » التي اعتبرتها الأمة من أعظم النكبات التي انتابت الدولة.

والثاني:

قسوة الأحكام التركية منذ فارقها الفرنسيون سنة (1214ه/1799م)؛ لأنها قبل حملة نابليون عليها كانت تتمتع بشبه استقلال، ولكن بعد الحملة قررت الدولة عليها الضرائب الفادحة، وأبقت الجنود التي أرسلتها لطرد الفرنسيين في البلاد يعيثون فيها فسادا.

فلا غرابة بعدئذ أن يستقبل أهل الشام إبراهيم باشا بكل فرح وابتهاج؛ لأنه أدخل بعض إصلاحات في بادئ الأمر كانت مفيدة له وللبلاد؛ إذ صرف معظم السنتين الأوليين في درس أحوال الشام، وفي توطيد عرى التحالف بينه وبين القبائل القوية التي ينتظر أن يركن إليها عند الحاجة في تنظيم قوة حربية يعتمد عليها في إخماد نار الفتن الداخلية، أو صد هجمات الدولة حال إعلانها الحرب عليه. وقد جعل الحاكم العام على البلاد الشامية «شريف باشا» أحد أقربائه، وكان ذا أخلاق فاضلة وخبرة في الأمور السياسية، وجعل «حنا بحري» أحد السوريين مساعدا له في إدارة الشئون المالية، وكان ذا حذق ومهارة في ذلك، ثم ساوى بين كل الديانات أمام القانون؛ لا فرق بين المسلم والمسيحي، وعقد في كل بلدة من أمهات البلاد مجلسا كانت تنتخب أعضاؤه من المسلمين والمسيحيين على السواء. وكل هذه المجالس كانت تحت سيطرة «مجلس المشاورة» في عكاء؛ إذ كان بمثابة محكمة عليا، تتسلم دخل البلاد، وتولي الحكام، وتخابر الحكومة الرئيسية في مصر.

Shafi da ba'a sani ba