111

Tarihin Misra Tun Daga Fatan Usmani Har Zuwa Kafin Lokacin Yanzu

تاريخ مصر من الفتح العثماني إلى قبيل الوقت الحاضر

Nau'ikan

اهتم بعد ذلك بتدبير الوسائل التي تسهل عليه زراعة هذه الأراضي، فاستخدم الفلاحين طبعا في زراعتها، فأصبحوا بمثابة الموالي، وكانت القاعدة أنه مادام الفلاح قادرا على دفع ما فرض عليه أداؤه من ثمرتها، يبقى في الأرض يتعيش منها وتخلفه من بعده ذريته.

وظل الفلاحون هكذا محرومين من التمتع بحق امتلاك الأراضي إلى زمن غير بعيد، وذلك عندما سن سعيد باشا قانونه المختص بأرض مصر، وتلاه من بعده قانون المقابلة الذي وضعه إسماعيل باشا، ثم القانون الذي سنته المحاكم الحديثة خاصا بحق امتلاك الفلاح للأرض.

ثم أمر محمد علي مديري البلاد بمسح الأطيان، وتقدير عدد الفدادين التي تخص كل قرية، ماعدا الضياع التي كانت توهب للمقربين وذوي الحظوة؛ فهذه كانوا لا يتدخلون في أمرها، وكانت بالطبع شيئا قليلا، أما العدد الأوفر من القرى المصرية فكانت تحت سيطرة محمد علي؛ إذ كان يدير شئون كل قرية فئة من مشايخ البلد يرأسهم عمدة منصب من قبل المدير، مسئول أمامه عن مقدار ما يطلب من قريته من الضرائب؛ ولذلك كان العمدة يوزع الأراضي على الفلاحين حسب اختياره، ثم يجمع منهم الضرائب على قدر ما يفلح كل من الأرض. وما أشبه الفلاح في هذه الحالة بالحيوان تحت رحمة العمدة! أما العمدة فكان مثله كمثل السوط في يد المدير الذي كان صاحب البأس والسطوة الذي لا يسيطر عليه أحد إلا الوالي مالك مصر الوحيد.

هذه هي الطريقة التي اتبعها محمد علي منذ عام (1223ه/1808م) وسار على مقتضاها 20 عاما، وبها أمكنه أن يجند الجيوش، ويعد الأساطيل، ويحارب الأمم ويخضعها.

وكان من عادته أن يعين أنواع المحصولات التي تزرع في كل بقعة من بقاع المملكة، ثم تؤخذ المحصولات جميعها وتوضع في أهراء الحكومة، ويقدر أثمانها طائفة من رجال الحكومة؛ فكان جزء منها يؤخذ في مقابل الضرائب التي على الأرض، وما بقي تشتريه الحكومة فتصنع بعضها في مصانعها، والجزء الأعظم يباع إلى التجار الأوروبيين؛ وبهذا احتكر محمد علي كل التجارة في مصر.

ولا يسعنا في هذا المقام إلا أن نذكر شيئا عن المحصولات التي جلبها هذا المصلح الكبير إلى البلاد ولا نزال ننتفع بها، وكانت نتيجة زرعها ازدياد ثروة البلاد؛ مما أعانه على شن الغارة على أعدائه. وأهم هذه النباتات وأعظمها ربحا للبلاد القطن الذي أشار بغرسه المسيو «جوميل» في عام (1235ه/1820م)، وهو أحد النساجين الفرنسيين المستخدمين بالحكومة المصرية وقتئذ، وقد أنتجت تجارب زرعه محصولا حسنا، لجودة التربة وملاءمة الجو؛ وبذلك ابتدأ طور جديد في تاريخ مصر المادي. وجلب بذوره من الهند أولا، ثم من أمريكا فيما بعد من صنف يعرف بقطن «الجزائر»، وهو أجود نوع في العالم. وقد كان يزرع القطن في مصر قبل عصر محمد علي بقرون عديدة، غير أنه كان من صنف رديء، ولا يعرف تاريخ جلبه إلى البلاد.

وقد عني فرنسي آخر بزراعة القنب في مصر، لصنع الحبال اللازمة للأسطول، بزراعتها من جزائر الهند الشرقية، وأحضر من آسيا الصغرى زراعا مهرة في زراعة الخشخاش، وزرع الغابات والحراج، ليستغني بها عن الأخشاب التي تجلب من البلاد الأجنبية. ولم يفته تحسين زراعة الجنائن؛ إذ أنشأ ابنه إبراهيم باشا في جزيرة الروضة حديقة غناء، فيها من الفاكهة والرياحين ما لذ وطاب، وذلك بهمة رجل أيقوسي من مهرة العالمين بفن الجنائن.

ومما سبق يظهر جليا أن جلب هذه المحصولات وزراعتها، وتحسين حالة الري، - مما سيأتي ذكره عند الكلام على الأعمال العامة - كان من أكبر النعم على مصر لو كان الفلاح يضمن بيع محصوله بأثمان مناسبة، ولكن لسوء حظه كانت معاملاته كلها وبيع محصوله يتوقف على عمال الحكومة الذين يلاحظون الزراعة، وعلى أمانة الذين يقدرون أثمان المحصولات التي كانت تشتري جميعها الحكومة. والظاهر أن الفلاحين كانوا يتحملون في ذلك مغارم كبيرة؛ إذ كانت تشترى منهم بأثمان بخسة وموازين مغشوشة، فضلا عن أنهم كانوا لا يأخذون أثمان سلعهم نقدا، بل في معظم الأحيان يجبرون أن يبادلوا بها مصنوعات معامل الحكومة ترويجا لها.

الصناعة

رأى محمد علي أن الممالك الصناعية بأوروبا على جانب عظيم من الثروة وسعة الرزق، فحاول إدخال صناعاتها في مصر، وأن يشجع الصناعات الوطنية أيضا، حتى يتسنى له صنع كل ما يحتاج إليه من لوازم الجيش ومعدات الأسطول، وينافس الغرب في صناعة المنسوجات.

Shafi da ba'a sani ba