هي أصناف من النخيل.
الباب الحادي عشر
الكلام على نينوي وذكر سرجون وخلافائه (1) آشور ومدائنها
لم يكن للمدائن الواقعة على القسم الأوسط من دجلة شأن يذكر في تقدم هذه المدنية ونمو هذه الحضارة، وكانت كمتعاهدة مع بعضها، وأطلق عليها من مبدأ الأمر آشور، وهي واقعة على حافتي نهر دجلة من الجهة التي فيها ينصب إليه نهر كورنيب إلى المكان الذي فيه يدخل دجلة في سهول كلديا، التي تكونت من طمي النهر، وكانت منفصلة من جهة الشرق عن القبائل القاطنة في هضبة إيران بنهر الزاب الأكبر وأواخر أسناد الجبال الجوردية، وأما من جهة الغرب والجنوب الغربي فكانت تمتد نحو نهر الخابور والفرات دون أن تكون لها حدود معينة هناك، وكان القسم الشرقي منها ترويه نهيرات كثيرة وفيه كثير من الفلزات والمعادن، وهي خصبة جدا تنبت القمح والفاكهة على اختلاف أنواعها، وكانت تشقها في الأزمان القديمة ترع كثيرة مشتقة من دجلة ومن الأنهر التي تصب فيه، فتقوم مقام الأمطار التي يندر نزولها في مدة الصيف.
وكانت نينوي وكلخ وأربلة هي المدائن الثلاثة الأصلية فيها، وهي قديمة جدا؛ إذ كان تأسيسها في أول أزمان التمصير الكلداني وفي غربي النهر يمتد سهل أرض الجزيرة، وليس فيه خصوبة كثيرة، كما أن الري فيه لا يجري على طريقة الانتظام؛ فلذلك كانت موارد الثروة فيه أقل منها في الأول ومع ذلك كانت مدينة الآشور قائمة فيه، وهي أقدم المدائن الملوكية الآشورية. (2) المملكة الأولى الآشورية وذكر قصة نينوس وسميراميس
إن أقدم الملوك الآشوريين الذين وقفنا على أسمائهم لم يكونوا قبل القرن العاشر قبل الميلاد، وكانوا يعيشون خاملين تابعين بعض التبعية لملوك بابل، أما خلفاؤهم فقد تملكوا مع توالي الزمان على معظم الجزيرة، وحينما كان المصريون حاكمين على بلاد الشام كان هؤلاء الملوك معادلين لملوك بابل ولهم مثلهم صلات ودية وعلاقات حبية مع الفراعنة، ثم افتتحوا شيئا فشيئا البلاد الواقعة في الحوض الأعلى لدجلة، وانتزعوا كورا وقلاعا من الكلدانيين ومن القبائل المتوطنة على سطح هضبة إيران، فكان لآشور بهذه الكور وهذه القلاع مأمن من كل هجوم وعدوان، ثم في حدود سنة 1130ق.م عبر نهر الفرات الملك تغلا ثفلاصر الأول وهو من كبار الفاتحين النينويين، واخترق بلاد الشام الشمالية وضرب الجزية على أمم الخيثي، ولم يفعل الملوك المصريون من العائلة المتممة للعشرين شيئا ما لإيقاف سيره أو لصد هجماته، ولكن خلفاءه لم يتمكنوا من حفظ فتوحاته؛ فقد هزمهم الشاميون وكسرهم البابليون؛ حتى اضطروا للبقاء في أرض آشور الحقيقية مدة لا تنقص عن قرنين.
ولما انتقل ذكر هذه الدولة الأولى إلى اليونان بالإبهام والخبط والاختلاط نقلوه إلى حكايات عجيبة وأقاصيص خارقة للعادة. فقد حكوا أنه في مبدأ التاريخ جاء أحد الرؤساء واسمه نينوس وبنى مدينة نينوي، وأحدث لنفسه في آسيا الغربية مملكة تشتمل على أرض بابل وبلاد الماديين وأرمنية وجميع البقاع الكائنة بين نهر السند والبحر الأبيض المتوسط، ولاقى سميراميس أثناء حصار بلخ؛ وهي ابنة رجل عادي تزوج بالإلهة درسيتو فاتخذ سميراميس حليلة، له وجعلها وريثته، فلما جلست على سرير الملك ابتنت بابل وجعلتها أوسع وأكبر من نينوي، وزخرفتها بالمباني العجيبة والآثار العظيمة، ثم سافرت لإتمام الحروب وشن الغارات. وكانت أينما مرت تخرق الجبال وتحطم الصخور وتمهد سبلا طويلة جميلة وتبتني مدنا مثل أكباتان (همذان) في بلاد الماديين وسميراموسرتا في أرمنية وطرسوس في كيليكيا، ولم تخلص منها مصر واتيوبيا ولكنها لاقت في بلاد الهند ما أوقف سيرها وفتوحاتها؛ فقد غلبها الملك ستارتوباتيس ورجعت إلى بابل. وإن ما كان لها من البأس والمجد لم يمنع القوم من المؤامرة والكيد على حياتها، فإن ابنها نينياس مالئ على قتلها، فتنازلت له عن الملك وانقلبت حمامة، فلما وقعت مملكتها في أيدي ملوك كسالى ضاق نطاقها شيئا فشيئا حتى ضاعت بالكلية في وسط الفتن والهيجان. (3) آشورنازرهابال (من سنة 884 إلى سنة 860ق.م) والدولة الآشورية الثانية
عاود آشورنازرهابال الأعمال التي بدأ بالشروع فيها تغلا ثفلاصر الأول، فجعل كلخ الواقعة على الشاطئ الأيسر لدجلة عاصمة بلاده، وقد أقام بها خلفاؤه مدة قرنين متواليين، وكانوا كلهم من المجاهدين المقاتلين الذين لا يأخذهم كلال ولا ملال ولا ينفكون عن ارتكاب القسوة والجفوة في محارباتهم، وهم سلمناصر الثالث (من سنة 860 إلى سنة 824) وسميرامان الرابع (من سنة 824 إلى سنة 812) ورامانيراري الثالث (من سنة 812 إلى سنة 782ق.م).
فكانوا يخرجون من كلخ في كل سنة تقريبا لغزو بعض البلاد الواقعة على تخوم مملكتهم، وكانوا لا يصح لهم أن يحاولوا توسيع ملكهم من جهة الشرق أو الشمال الشرقي لأن هضبة إيران كانت وراءهم تصدهم عن التقدم، وتحف ببلادهم سلسلة جبال أرمينية؛ فإنهم كانوا لا بد أن يصادفوا في هذه البقاع عناء كبيرا وربحا قليلا، فاقتصروا على صرف قصارى عزيمتهم إلى إبقاء نير عبوديتهم على أعناق تلك القبائل الكثيرة الحركة التي كانت تميد في أقصى تخوم وادي دجلة وجبال كردستان. نعم، إنهم كانوا يتجاوزون في بعض الأحيان هذه الحدود، ولكن ذلك بقصد إجراء غزوات نحو البحر القزويني
1
Shafi da ba'a sani ba