وقتل مروان بن محمد، وزالت دولة بنى أمية، وعبد الرحمن أمير على إفريقية، وهرب جماعة من بنى أمية عند قتل مروان خوفا من بنى العباس ومعهم حرمهم، فتزوج عبد الرحمن وأخوته فيهم، وكان فيمن قدم ابنان للوليد بن يزيد بن عبد الملك، يقال لأحدهما القاضى والآخر المؤمن وكانت ابنة عمهما تحب إلياس بن حبيب فأنزلهما عبد الرحمن بدار شبيبة بن حسان، وكانت معهما عجوز فى الدار، فدس إليها عبد الرحمن بن حبيب أن توصله إلى موضع تسمعه منه كلامهما، فقالت له: «إن البيت الذى هما فيه سقفه غرة، فإن شئت فأنا اوصلك ليلا إلى ظهر البيت حتى تطلع عليهما ولا يعلمان»، فقال:
«افعلى». فلما كان فى الليل اطلع عليهما، وهما على نبيذ لهما، ومولاهما يسقيهما، إذ قال القاضى: «ما أغفل عبد الرحمن أيظن أنه يتمنى معنا ولاية ونحن أولاد الخليفة»، فلما سمع هذا منهما نزل وانصرف ثم دعا القاضى والمؤمن، فسلما مع الناس فأظهر لهما عبد الرحمن بشرا ولم يبد عليه شىء من التجهم، حتى أتاهما من أخبرهما أن عبد الرحمن سمع كلامهما الذى تكلما به، فحذرا منه وعزما على الهرب وخافا، فلما كان أول الليل ركبا جملين خصيين، وركب مولاهما جملا ثالثا، وخرجوا هاربين على طريق مجانة، فاستبطاهما عبد الرحمن من الغد، فأرسل إلى منزلهما، فوجده خاليا ففرق الخيل والنجب على كل طريق فجاءه البشير بأنهما أدركا بطريق مجانة، فخرج إلى تونس واستخلف على القيروان ابن عم له يقال له عمر بن نافع، وخرج إلى تونس وأمره أن يضرب أعناقهما ويعتق مولاهما، فلما قدم بهما أمر عمر بن نافع بقتلهما، وقتل مولاهما فقتلوا. وكانت ابنة عمهما عند إلياس، فقالت له: «إنه قد قتل أخيك تهاونا بك، وجعل العهد من بعده لحبيب ابنه، وأنت صاحب حربه، وسيفه الذى يصول به»، ولم تزل تغريه عليه.
وذكر أشياخ من أهل القيروان: أن مروان بن محمد الجعدى حين بلغه أن عبد الرحمن يقتل كل من ورد عليه خوفا من الرواية التى أخبره بها الحنفى، أنه يقتلك أخوان فجاءه كتاب مروان: لا تقتل الناس فإنما أصحابك أخواك إلياس وعبد الوارث. فهم أن يبعث إليهما ثم بدا له فبعث إلى مولى لهم يقال له «برد»، فأتاه فرمى إليه كتاب مروان فقرأه،
Shafi 76