Tarihin Kimiyyar Harshe Larabci
تاريخ علوم اللغة العربية
Nau'ikan
أن يجتمع في الكلمة لام بعدها شين، قال ابن سيده: «ليس في كلام العرب شين بعد لام في كلمة عربية محضة، لأن الشينات كلها في كلام العرب قبل اللامات»، فكلمة التفليش بمعنى الهدم ليست عربية بخلاف كلمة «شغل». وقال الجاحظ في كتابه «البيان والتبيين » إن الجيم لا تقارن الظاء ولا السين ولا الضاد ولا الذال بتقديم ولا تأخير.
هذا مجمل ما وضعه الأقدمون من الأعلام في هذه السبيل. وقد توصل علماء اللغات لهذا العهد إلى أصول في هذا الباب كان يعز على الأقدمين الوصول إلى بعضها، وما ذلك إلا لانصراف جماعات المستشرقين إلى دراسة اللغات المختلفة ولا سيما القديمة منها والإيغال في أحشاء القرون البعيدة واستشارة دفائنها، وبذل الوسع في دراسة أصول اللغات وفقهها والإحاطة بفروعها المختلفة من جميع جهاتها، وقد صدروا عن هذه المباحث وهم يحملون من العلم ما كان مطمورا في غيابة التاريخ البعيد، فإذا حكموا في هذا الباب فحكمهم الفصل وإليهم يرجع أمر العقد والحل. ومن أمثلة ما وضعوا من القواعد في هذا الشأن قولهم: إذا اتفقت كلمتان لفظا ومعنى، وكان بين أهل هاتين اللغتين صلات جغرافية أو تجارية أو سياسية أو نحوها مباشرة أو بالواسطة، ينظر فإذا كان ذلك المعنى من نتاج قرائح إحدى تينك الأمتين أو من مصنوعاتهم أو من منتوجات بلادهم ومحاصيلها، يرجح أن يكون أصلا في تلك اللغة منقولا منها إلى غيرها، مثال ذلك «الساعة» فإن العرب كانت تطلقها على الجزء المخصوص من الزمن، ثم لما أبدعوا الآلة المعروفة التي تدل على أجزاء الزمن وتعيينها أطلقوا عليها هذه اللفظة فهم أسبق الأمم إلى تسمية الآلة بهذا الاسم، فإذا سمعنا الفرس أو الترك مثلا استعملوا هذه اللفظة بهذا المعنى نقطع بأنهم استعاروها من اللغة العربية. ومثل هذا كثير من المصطلحات التي وضعها العرب عندما دونوا علوم لسانهم، مثل: عطف وإضافة وتمييز وغيرها، فإذا رأينا بعض الأمم الشرقية استعملت هذه المصطلحات في معانيها عند العرب أو في معان تقرب منها نجزم بأنهم استعاروها من اللغة العربية، هذا إذا علمنا بأن العرب دونوا هذه المصطلحات قبل غيرهم. ومن ذلك كلمة القهوة فإنها موجودة في العربية وفي معظم لغات العالم، فإذا علمنا أن العرب كانوا يطلقون هذه اللفظة على الخمرة ثم أطلقوها على هذه الثمرة المخصوصة المسماة بالبن وهي من منتوجات بلاد اليمن في الأصل ثم انتقلت إلى البلاد الأخرى، إذا علمنا هذا نقطع بأن هذه اللفظة بهذا المعنى عربية النجار، ومن ذلك الجمل والغزال ونحوها من الحيوانات التي تكثر في بلاد العرب أو كانت خاصة بها ومنها نقلت إلى غيرها.
وإذا علمنا أن المسك مثلا ينتج في بلاد التيبت والصين وبعض بلاد الهند ومنها يحمل إلى سائر بلاد العالم، وعلمنا أن هذه اللفظة مستعملة في السنسكريتية الأصل والفارسية والعربية وغيرها؛ نعلم أن هذه اللفظة بمعناها هذا سنسكريتية الأصل ومنها انتقلت إلى غيرها من اللغات مباشرة أو بالواسطة. ومثل ذلك الكافور فإنه في السنسكريتية وغيرها، ولكنا إذا عرفنا أن مصدر هذا النوع من الطيب بلاد الصين واليابان وملقا وأن اسمه باللغة الملقية «كابور»، عرفنا أنها كلمة ملقية الأصل ومنها انتقلت إلى غيرها من اللغات، ومثل ذلك الفلفل فإن مصدره بلاد الهند وهو في اللغة السنسكريتية «ببالا» أو «فيفالا». والأمثلة في هذا كثيرة لا يكاد يحيط بها الحصر.
قلنا: إن المتبحرين في دراسة اللغات لهذا العهد انصرفوا إلى استشارة دفائن اللغات القديمة وحلوا رموزها، ودرسوا أصولها درسا دقيقا، واستخرجوا فروعها، وقارنوا بينها من حيث المادة والصرف والنحو وغيرها، وبذلك توصلوا إلى معارف جمة وعلوم مهمة، وقد أرجعوا كل طائفة من اللغات إلى أصل واحد وهذا الأصل إما أن يكون باقيا أو مندثرا، فأصول الباقية هي التي سارع أهلوها إلى تدوينها منذ العصور القديمة العريقة بالقدم، والمندثرة هي التي لم تدون فبقيت مطمورة في طيات القرون الخالية، أما فروعها فنمت وأورقت ثم أثمرت، ومنها ما قضى نحبه ومنها ما ينتظر.
فإذا ذهبنا إلى القول بأن اللغة العربية والعبرانية والكلدانية - مثلا - بنات لأم واحدة هلكت وعاشت بناتها، نعلم أن كثيرا من الألفاظ بقيت مشتركة بين هذه اللغات، فإذا رأينا لفظة في أكثر من واحدة من هذه اللغات دالة على معنى واحد أو على معان متقاربة لا يمكننا الحكم بأصالتها في لغة دون أخرى، بل نرجح أن تكون هذه اللفظة من ميراث اللغة الأم؛ فهي أصل في كل منها، وبالعكس إذا وجدوا لفظة في إحدى هذه اللغات تخلو منها سائر أخواتها يشكون في كونها أصلا في هذه اللغة.
وعلى هذا وضعوا قاعدة أغلبية، وهي أنهم إذا وجدوا لفظة في لغتين أو أكثر ترجع إلى أصول مختلفة ولم يجدوا تلك اللفظة في أخوات إحدى اللغتين أو اللغات، يرجحون انتسابها إلى اللغة الأخرى، مثال ذلك إذا وجدوا لفظة في العبرية والمصرية القديمة مثلا ولم يجدوها في العربية ولا الكلدانية يرجحون أنها مصرية. (6-2) هل التغيير ضروري في التعريب؟
من الكلمات المعربة ما يبقى على حاله قبل التعريب مثل بخت ونوروز، ومنها ما يجري عليه التغيير يسيرا كان أو كثيرا.
والأصل في هذا الباب عدم التغيير وإبقاء الأصل على حاله إلا إذا دعت إلى التغيير ضرورة فيصار إليه، ولكن التغيير يكون بقدر ما قضت به تلك الضرورة من غير زيادة ولا نقصان، ومع هذا فإن كثيرا ما نجد تغييرا لا تدعو إليه الحاجة ولا تقضي به الضرورة، مثال ذلك «الكعك» فإنه معرب «كاك» قلبت ألفه عينا من غير ضرورة داعية، و«الدهقان» معرب «ده خان» أي رئيس القرية ومقدم أهل الزراعة من العجم.
وقد يجتمع في الكلمة الواحدة تغيير لازم وآخر غير لازم، مثل كلمة «البد» بمعنى الصنم فإنه معرب «بت» قلبت فيه الباء الفارسية المثلثة باء عربية، وهذا القلب لازم لئلا يدخل في الحروف العربية ما ليس منها، وقلبت التاء دالا وهذا القلب غير لازم كما هو ظاهر.
وأسباب التغيير كثيرة منها: اشتمال الكلمة الأعجمية المراد تعريبها على بعض الحروف العجمية التي لا وجود لها في اللغة العربية كما أشرنا إلى ذلك في أول هذا البحث. ومنها أن يكون في الكلمة الأعجمية حركة لا وجود لها في العربية أو هي موجودة في لغة ضعيفة، مثل كلمة «زور» بمعنى القوة فإنها معربة من كلمة «زور» بضمة مشوبة بالفتحة، فأبدلت عند التعريب بضمة خالصة لعدم وجود الضمة المشوبة في العربية المشهورة. ومنها الثقل، مثل «ناي » آلة الطرب المعروفة فإنها معرب «ناي نرمين»، وقد حذف شطرها الثاني للخفة. ومنها نقص الكلمة الأعجمية من ثلاثة الأحرف، مثل «صك» بتشديد الكاف فإنه معرب «جك» الثنائي على ما عرفت آنفا. ومنها كون الكلمة الأعجمية مبدوءة بحرف ساكن، فيضطر عند التعريب إلى تحريكه أو زيادة همزة قبله، مثل هليلج وإهليلج معرب «هليله» وهو الثمر المعروف. ومنها أن يجتمع في الكلمة الأعجمية حرفان ساكنان سكونا على غير حده فيحرك أحدهما، مثل «أبزن» تعريب «آبزن» كما تقدم. ومنها تحريك آخر الكلمة المعربة بحركة الإعراب، فإن كان الحرف الآخر في الكلمة الأعجمية هاء رسمية «دوره» لمكيال الشراب وللجرة ذات العروة و«لوزينه» لنوع من الحلوى و«روزونة» للكوة، وجب قلب هذه الهاء إلى حرف آخر قابل لحركة الإعراب وقد اعتادوا قلبها جيما وهو الأكثر وربما قلبوها قافا أو تاء فقالوا لوزينج ودورق وروزونة، وقد تقلب هذه الهاء كافا وعليه أعربوا كلمة «نيزه» وهو الرمح القصير إلى «نيزك».
Shafi da ba'a sani ba