فاستقام أمره فيها، فعاد كثير من البصريين إلى أوطانهم، فأقام هذا الأمير إلى سنة 505ه، ثم استخلف عليها سنقر البياني، وسار هو إلى فارس. فأحسن سنقر السياسة والتدبير، وسار سيرة مرضية في الأهلين، فبقيت البصرة تحت حكمه بالنيابة عن الأمير آقسنقر حتى مات السلطان محمد ببغداد في سنة 511ه، وجلس مكانه ابنه السلطان محمود، فأقره على عمله، وفي أيامه مات الخليفة المستظهر بالله في سنة 511ه فبويع بالخلافة لابنه المسترشد بالله. (15) استيلاء ابن سكبان على البصرة
بقي سنقر البياني حاكما على البصرة بالنيابة عن الأمير آقسنقر البخاري إلى سنة 513ه، فثار أحد أمراء الجيش اسمه غزغلي وهجم على الحجاج، وكان أمير الحج يومئذ علي بن سكبان، فقاتل الثائر حتى قتله فانهزم أصحابه إلى البصرة، فلحقهم ابن سكبان حتى دخل المدينة في أثرهم، فوجد فتنة جديدة قامت بين الحاكم وبين رؤساء الجيش، فاغتنم فرصة تلك الفتنة، فتغلب على الولاية في السنة نفسها - 513ه.
ولما استتب أمر علي بن سكبان بالبصرة كتب إلى الأمير آقسنقر البخاري يعرض له الطاعة، ويطلب منه توجيه النيابة إليه، فلم يجبه الأمير إلى ما طلب، فاستبد ابن سكبان بالأمر، ولكنه سار سيرة حسنة في البصريين وجاملهم ووالاهم، وبقي مستقلا فيها إلى سنة 514ه.
دخلت سنة 514ه، فسير السلطان محمود جيشا كبيرا بقيادة الأمير آقسنقر البخاري لطرد علي بن سكبان من البصرة، فالتقى الأميران، وتقاتل الجيشان، وبعد حروب استولى الأمير آقسنقر على البصرة عنوة في سنة 515ه ودخلها ظافرا، وانهزم ابن سكبان، فاستقام أمر الأمير في هذه المدينة مدة، حتى إذا ما كانت سنة 517ه ثار صاحب الحلة دبيس بن سيف الدولة، وخرج على السلطان والخليفة معا، فحاربته حكومة بغداد حتى تمزق جمعه، فالتجأ بقبائل المنتفك فأغراهم على غزو البصرة وأخذها فوافقوه، وساروا معه حتى هجموا عليها ودخلوها فنهبوا أسواقها، وقتلوا رئيس جيشها، فبلغ الخبر حكومة بغداد فسيرت لقتاله جيشا بقيادة البرسقي، فانهزم دبيس ومن معه، ودخلوا البادية، فدخل البرسقي البصرة بدون قتال فتولى شئونها، فبقيت البصرة تحت حكم السلاطين السلاجقة يحكمها أمراؤهم إلى سنة 547ه، ثم عادت إلى الخلفاء، وسيأتي ذكر ذلك. (16) رجوع البصرة إلى الخلافة العباسية
كانت البصرة قد خرجت من سلطة الخلفاء منذ تسلط على الخلافة بنو بويه، وأسس معز الدولة البويهي دولته في العراق في سنة 334ه في عهد الخليفة المستكفي بالله، وظلت كذلك حتى انقرضت الدولة البويهية، وقامت على أنقاضها الدولة السلجوقية في سنة 447ه في عهد الخليفة القائم بأمر الله، وتوالى حكم سلاطين السلاجقة على العراق، وليس للخلفاء غير الخطبة والتوقيع على المناشير حتى مات السلطان محمود السلجوقي في سنة 525ه وجلس ابنه السلطان داود، فثار عليه عمه السلطان مسعود، فاستمرت بينها الحروب إلى أن تغلب على الأمر السلطان مسعود في سنة 526ه، فاغتنم الخليفة المسترشد بالله فرصة تلك الحروب فأرجع أكثر حقوق الخلافة المغصوبة، وألف له جيشا في بغداد، وأصبح مطاعا نافذ الكلمة في أكثر شئون البلاد العراقية، وقاتل الخارجين عليه حتى خافه السلاجقة أنفسهم، وظل يجتهد في إرجاع جميع حقوق الخلافة مغتنما فرصة ضعف الدولة السلجوقية وبعد رجالها عنه وانشغالهم في الحروب التي دامت بينهم أعواما طوالا، ولكنه اغتر بقوته فحارب السلطان مسعود، وحمل عليه إلى همذان، وبعد حروب انحاز أكثر قواده الأتراك إلى السلطان، وغدروا به فانخذل، ووقع أسيرا في قبضة السلطان مسعود، فخدعه بعقد اتفاقية، فأوعز إلى الأتراك بقتله فقتلوه غدرا في أواخر سنة 529ه بظاهر مراغة، وعادت سلطة السلاجقة على العراق.
فتولى الخلافة بعد المسترشد ابنه الراشد بالله، ثم خلع في سنة 530ه فتولاها المقتفي لأمر الله فسعى في إعادة حقوقه حتى إذا ما توفي السلطان مسعود في سنة 547ه وكثرت الفتن والحروب بين آل سلجوق انفرد الخليفة المقتفي بالحكم في العراق، وزال نفوذ السلاجقة، وأصبح الأمر كله للخليفة لا يشاركه فيه أحد، وعادت البصرة إلى الخلفاء يولون عليها من شاءوا، وهو الذي ولى على البصرة في سنة 554ه كمشتكين التركي، وعزل عنها الشيخ معروف رئيس المنتفق الذي تولى إمارتها منذ سنة 532ه.
وتوفي الخليفة المقتفي في سنة 555ه فبويع لابنه المستنجد بالله، فأقر على البصرة كمشتكين، وسار هذا الخليفة سيرة أبيه في الحزم والعزم وضبط الأمور، وفي أيامه استولى علي بن شنكا على البصرة. (17) استيلاء ابن شنكا على البصرة
في الوقت الذي كان فيه كمشتكين التركي على البصرة كان ابن شنكا - أو ابن شنكاه - على مدينة واسط في عهد الخليفة المستنجد بالله، وكان كمشتكين قد اشتغل بجمع الأموال، وأهمل أمر المدينة، وغفل عن الطامعين بإمارته، فطمع به ابن شنكا فحمل عليه في سنة 561ه، فنهب القرى والضياع، ثم رجع وأعاد الكرة في سنة 562ه فاستولى على البصرة عنوة بعد أن نهب وخرب أكثر المواضع، واتصل خبره بالخليفة المستنجد فأرسل لطرده جيشا بقيادة عميد الدين في سنة 563ه فانهزم ابن شنكا، ودخلت جيوش الخليفة ظافرة.
ومات الخليفة المستنجد في سنة 566ه فتولى الخلافة المستضيء بأمر الله فتوفي سنة 575ه، وجلس مكانه الناصر لدين الله، وكانت البصرة تحت حكم الخلافة إلى سنة 577ه، فأقطع الخليفة الناصر لدين الله ولاية البصرة إلى أحد مماليكه المعروف بالأمير طغرل بك، فمكث هذا الأمير في البصرة إلى سنة 580ه، فولى نائبا عنه محمد بن إسماعيل. (18) غزوة العامريين البصرة
وفي أيامه حمل على البصرة بنو عامر بقيادة زعيمهم عميرة العامري، وساروا إليها من الأحساء في سنة 588ه، فلما اقتربوا منها خرج لقتالهم محمد بن إسماعيل، فقاتلهم طول النهار، فلما جن الليل ثلم بنو عامر سور المدينة، ودخلوها على حين غفلة من أهلها، فقتلوا ونهبوا، فانهزم محمد بن إسماعيل، وكان قد كتب قبل وصول بني عامر إلى رؤساء المنتفق وخفاجة يطلب منهم النجدة، فوصل منهم جمع كبير بعد دخول الغزاة بيوم، فبلغ ذلك بني عامر فخرجوا مسرعين فالتقوا بالمنتفك وخفاجة بضواحي المدينة، وبعد قتال انتصر بنو عامر فعادوا إلى البصرة وعاد النهب والسلب مرة أخرى، فاضطر البصريون إلى ترك بلدهم فانهزموا منها بأنفسهم. فبلغ بني عامر خبر تجهيز الجيوش من بغداد لقتالهم، فخرجوا من المدينة بعد بضعة أيام. فعاد البصريون إلى أوطانهم، وذلك في السنة نفسها - 588ه. (19) البصرة في أواخر عهد العباسيين
Shafi da ba'a sani ba