وكانت إمارة العراق في عهدهم تسمى إمارة العراقين؛ لاشتمالها على البصرة والكوفة، وكان كل أمير يتصرف في إمارته تصرف الملوك المستقلين، ومع وجود الاضطرابات في العراق فقد بلغ معدل خراج العراق في أيامهم (130000000) درهم سنويا. (9) البصرة في عهد العباسيين
قامت دولة بني العباس في 13 ربيع الأول سنة 132ه، واتخذ السفاح مدينة الكوفة مقرا له، فبعث في السنة نفسها عساكره لأخذ البصرة من الأمويين، فانسلخت منهم على يد القائد سفيان بن معاوية بن يزيد بن المهلب، كما تقدم ذكره، وكان السفاح قد أسند إمارة البصرة إلى سفيان المذكور، وهو أول عامل لبني العباس على البصرة، ثم عزله
43
في سنة 133ه وولى عليها عمه سليمان بن علي، وضم إليه السواد ودجلة والبحرين وعمان، فزهت البصرة في أيامه، وعمر ما خرب منها في الفتن الماضيات.
فلما مات السفاح بالهاشمية في سنة 136ه وتولى أخوه أبو جعفر المنصور أقر عمه سليمان بن علي على البصرة، ولكنه عزله في سنة 139ه، وولى عليها سفيان بن معاوية - مرة ثانية - وأمره بقتل عمه عبد الله بن علي الذي كان قد التجأ بأخيه سليمان بن علي يوم إمارته على البصرة على أثر خروجه على الخليفة، وأمره بقتل حاشيته وكل من تحزب له من البصريين، ففتك سفيان بجماعة كبيرة من البصريين؛ لتحزبهم إلى عبد الله.
وسفيان هذا هو الذي قتل عبد الله ابن المقفع بالبصرة في سنة 142ه بسبب ما اتهم به من الزندقة والكيد للإسلام بترجمته كتب الزنادقة، وفي أيامه حفر في سنة 140ه أبو الخصيب مرزوق مولى أبي جعفر المنصور نهرا في جنوبي البصرة؛ فسمي باسمه - نهر أبي الخصيب، وهو المعروف بهذا الاسم حتى اليوم - وغرس عليه نخيلا وأشجارا، وبنى على صدره قصرا فخما.
وفي أيامه ثار عيينه بن موسى بن كعب في البصرة في سنة 142ه، وخرج على الخليفة، فقدم الخليفة إلى البصرة بجيش كثيف فقمع تلك الفتنة، ثم أمر ببناء جسر من القوارب والخشب في البصرة، وعمر ما كان قد خرب من المدينة، وأمن السبل، ورجع إلى مقره. (9-1) فتنة إبراهيم بن عبد الله واستيلائه على البصرة
فلما كانت سنة 145ه قدم البصرة من الحجاز إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الإمام علي بثلاثين ألف مقاتل، فدخل البصرة، وبايعه أهلها، ثم أرسل من استولى على الأهواز وواسط، وكان أخوه محمد بن عبد الله قد خرج بالمدينة «يثرب» على أبي جعفر المنصور، فبايعه أهلها بالخلافة ولقبوه بالمهدي وبالنفس الزكية، فلما كثرت أتباعه وقوي أمره أرسل أخاه إبراهيم هذا لقتال أبي جعفر المنصور في العراق ومحو الدولة العباسية معتمدا على ميل أكثر العراقيين وأهل فارس لبني علي، وفاته أنهم لم يخلصوا النية لأحد في الجاهلية ولا في الإسلام، وأنهم هم الذين غدروا بأسلافه.
فلما بلغ ذلك أبا جعفر المنصور داهية بني العباس وزعيمهم استعد لملاقاته، وكان قد أرسل قبل قدوم إبراهيم ابن أخيه عيسى بن موسى بجيش كثيف إلى الحجاز لقتال محمد بن عبد الله فقاتله وقتل أنصاره، وفي الأخير قتله، وفل جموعه، وفتك بكثير من العلويين، ثم عاد إلى العراق فأمره بقتال إبراهيم، وكان إبراهيم قد وصله نعي أخيه وما حل بأمره، فحمل على الكوفة، فلاقاه عيسى، فتمكن بمهارته الحربية وحسن سياسته وتدبيره من تمزيق جيش إبراهيم وقتله، وقد قتل في هذه الحرب عدد كثير من البصريين الذين انضموا إلى إبراهيم، قيل كان عددهم عشرين ألفا.
فلما انتهى أبو جعفر المنصور من فتنة إبراهيم بالبصرة ولى عليها في أواخر سنة 145ه مسلم بن قتيبة الباهلي، ثم أمره في سنة 146ه بقتل أنصار إبراهيم من البصريين، وتخريب دورهم، ومصادرة أموالهم، فخشي مسلم عاقبة ذلك الفتك؛ لما في هؤلاء من كبار الرجال من أهل النجدة والشرف، فتوقف في أمرهم، فعزله المنصور، وولى عليها محمد بن سليمان بن علي العباسي.
Shafi da ba'a sani ba