Tarihin Babil da Ashur
تاريخ بابل وآشور
Nau'ikan
ولما فرغ آشور بانيبال من أمر العيلاميين صوب عزيمته نحو عرب الحجاز؛ لما رأى من امتداد ملكهم وتبسطهم في أقطار العربية، وكانوا قد استولوا على نجد وجبل شمر والجوف وبادية الشام والعراق، فكانت بينه وبينهم حرب عوان أضرمها عليهم مدة ثلاث سنين متوالية فاستولى على الحيرة والعراق بأسره، وانقض على مدائن الشام فاستفتحها واستحوذ على ما يليها من شمالي العربية، وزحف من هناك إلى نجد فأدخلها في طاعته، ثم سار في طلب هويتع ملك الحجاز وكان في مدينة يثرب، فحاصره فيها زمانا إلى أن ضايقه أشد المضايقة وسد عليه منافذ النجاة فاستأمن إليه فأمنه ودخل المدينة بالسلم، ثم طلب منه اثنين من قواده فلما حضرا بين يديه أمر بهما فسلخت جلودهما وهما حيان، ثم أمر فصلبوهما وانصرف قافلا إلى نينوى.
واستقر آشوربانيبال بعد ذلك في نينوى وقد كل من كثرة الغارات والمعارك وانصرف إلى النظر في توثيق أمر الملك وتوفير أسباب الدعة والثروة في رعيته، وأخرج الذهب الذي غنمه في مغازيه فابتنى به مباني من جملتها قصر جعله مستودعا للصحف والسجلات وشحنه بالآجر المسطرة عليها تواريخ الآشوريين، وأتم القصر الذي شرع فيه سنحاريب جده. ثم توفي سنة 647 وكانت مدة ملكه إحدى وعشرين سنة، فتولى مكانه آشور ديليلي الثالث ابنه المعروف عند اليونان بخنيلادان.
ولما اتصل خبر وفاته بفراورتس ملك مادي اغتنم تلك الفرصة فجهز جنوده وسار إلى فارس وكانت في حوزة الآشوريين فأجلاهم عنها وأخرج من كان منهم في المصانع والقلاع، واستولى على البلاد فاشتد ساعده وقويت شوكته، ومذ ذلك شرع في تعزيز نجدته وتكثير عديده وتوفير الأسلحة والذخائر إلى أن كانت سنة 635، فحدثته نفسه أن يزحف على نينوى اقتداء بما فعل إرباش أحد أسلافه، فألب جموعه ونزل عليها فبرز إليه آشور ديليلي والتقى الجيشان في مضيق جبل، فاقتتلا قتالا شديدا كانت العاقبة فيه لآشور، فانهزم جيش الماديين وتتبعهم الآشوريون فمزقوهم كل ممزق وقتل فراورتس ملكهم، ومات آشور ديليلي سنة 625 بعد أن ملك اثنتين وعشرين سنة ولم يقع إلينا من أخباره غير ما ذكر.
وبعد وفاة آشور ديليلي أفضت نوبة الملك إلى أساراقس وهو آخر ملوكهم، فما كاد يستقر على سرير المملكة حتى عادت جيوش مادي في نجدتها كتائب الكلدان، فانقضت على نينوى في عدد لا يحصى وفي مقدمتهم كياقصر ملك مادي على ما قدمناه في الكلام على نينوى، فلبثوا حول أسوارها أشهرا حتى بلغ الجهد من الآشوريين وأعياهم الدفاع عن المدينة، فدخلها كياقصر عنوة وكان من أمره فيها ما ذكر هناك، وفي رواية أنه بينما هم بدخول المدينة؛ إذ وفدت عليه الرسل من قومه بأن التتر والأكراد قد أغاروا على بلاده وانبثوا فيها من كل أوب يقتلون وينهبون، فأعجله ذلك عن أخذها وأسرع الأوبة إلى أرضه فأقام فيها يقاتل نحوا من تسع عشرة سنة حتى دفع الثائرين واطمأنت البلاد، وكانت نينوى في تضاعيف ذلك لا تزداد إلا وهنا وهرما، فلما فرغ كياقصر من نوبة التتر عاود الكرة إلى نينوى وقد عقد عزمه على أن ينسفها من أسسها ويدكها دكة لا تقوم بعدها ليكفي البلاد عسف الآشوريين واستطالتهم، فما تمادى أمر حصاره لها حتى خرت بين يديه، فدخلها بجيوشه وأطلق يده فيها بالقتل والسبي والحريق والهدم حتى أعادها قاعا صفصفا.
ذكر الدولة البابلية الثانية
قد أسلفنا ما كان من أمر بعليزيس واستيلائه على البلاد الآشورية بعد تدميره لنينوى، ولبثت آشور في طاعته إلى أن توفي سنة 847 على ما مر في موضعه بعدما ملك إحدى وأربعين سنة، فتولى الأمر بعده رجل من سلالة الملك يقال له نبونصر، وكان من أمره أنه أول ما تولى الملك أمر بإحراق السجلات والكتابات المحفوظة ليمحو ذكر كل من ملك قبله من الأجانب على بابل، وتقدم إلى رؤساء الأمة أن يبدءوا بتأريخ جديد يفتتحونه من 26 شباط من السنة المذكورة وهو اليوم الذي رقى فيه سرير الملك، وكان ذلك في اليوم السادس من تأسيس رومية أم المدائن، وفي السنة الأولى من ملكه نهض تغلث فلأسر الرابع وحرر آشور من قبضة الكلدان بعد قتال دام بين الفريقين إلى سنة 743 على ما تقدم الكلام عليه، وبعد وفاة نبونصر هذا خلفه على الملك ابنه نادبوس ثم عقبه ثلاثة ملوك أفنوا أيامهم بالمعارك والفتن وراح كلهم شهيدا، وكانت مدة ملكهم جميعا كما قيده بطليمس اليوناني اثنتي عشرة سنة.
وكانت آشور في هذه المدة كلها تتربص نهزة للتخلص من عسف الكلدان إلى أن قام صاريوكين على سرير آشور، فجيش على دورياقين وأخذها واستتبع أكثر بلاد الكلدان، فلبثت مذ ذاك تحت طاعة الآشوريين، وملك بعد صاريوكين سنحاريب، وبعده أسرحدون، ثم آشور بانيبال، ثم آشور ديليلي، وبابل في هذه البرهة كلها لا تزداد إلا ذلا ومهانة، وفي أيام آشور ديليلي انتشر أقوام من البربر في البلاد الكلدانية وأكثروا فيها من العيث والفساد، فأرسل آشور ديليلي رجلا من قبله يقال له نبوبولصر وجهزه بالجند والأسلحة وأمره بقتالهم ودفعهم وقلده الأمر على بابل فما زال حكمها في يده، إلى أن توفي آشور ديليلي سنة 625، فاستبد بنوبولصر بأمر بابل وامتنع من طاعة الآشوريين، ثم تزلف إلى كياقصر ملك مادي فشد أزره وحالفه، ثم عقد لبختنصر بن نبوبولصر على ابنته فتوثقت بينهما عقدة الولاء، وفي أثناء ذلك جهز الفريقان على نينوى كما تقدم خبره إلى أن اشتغل كياقصر بأمر التتر، وتراجع عن نينوى، فسار نبوبولصر بمن بقي من الجيش حول أسوارها وقصد الفتوح الآشورية من ممالك الكلدان وغيرها، فجعل يتملك منها حتى أدخلها في حوزته ولم يبق في يد أساراقس إلا نينوى وأعمالها.
وفي أواخر ملك نبوبولصر وفد من مصر جيوش جرارة انقضت على اليهود، فأذاقتهم البلاء ثم انتشرت من هناك لا تلوي على موضع إلا تركت فيه آثارا من العيث والدمار حتى وصلت إلى كركميش عند الفرات، فاستحوذت عليها وحصنتها استعدادا للوثوب على بابل على حين غفلة. فتخوف نبوبولصر عاقبة أمرهم، وإذ رأى نفسه شيخا سلم قيادة الجيش إلى ابنه بختنصر ووجهه بالأهبة والرجال، فزحف إلى كركميش حتى التقى بهم واصطلت بين الفريقين مواقع شديدة كان الفوز فيها لبختنصر، فأهلك منهم خلقا لا يحصى وفر الباقون بأنفسهم وتشتتوا في البلاد، وفي غضون ذلك نمي إليه خبر وفاة أبيه فبادر الأوبة إلى بابل، وكان كبراؤها يتوقعون مقدمه، فتسلم أزمة الملك بعد أبيه وتوجه لعقد الأمور وكان ذلك سنة 607 قبل الميلاد، وفي تلك السنة جهز جيوشه وسار بها إلى البلاد الشامية فأدخلها في طاعته، ثم توجه إلى أورشليم وعليها يومئذ الياقيم أو يهوياقيم فقبض عليه وأوثقه بسلاسل من نحاس في نية إرساله إلى بابل، فافتدى نفسه بمال يرفعه إليه كل سنة، فمن عليه ورده إلى ملكه، وبعد ثلاث سنين امتنع الياقيم من حمل المال إليه فاستأنف بختنصر الحملة عليه وسير إليه جيشا كثيفا، فنزل على أورشليم وحاصرها حصارا شديدا، وفي تلك الأثناء توفي الياقيم فتولى موضعه ابنه يهوياكين، ولبثت المدينة تحت الحصار أشهرا إلى أن رأى بختنصر أن الأمر قد تطاول جدا فنهض بنفسه وجند جندا غير الذي مع قواده، وسار إلى أورشليم وضايقها أشد المضايقة حتى بلغ من أهلها الضنك وأعياهم الثبات على مقاومته، فخرج إليه يهوياكين بنسائه وعبيده وقواده وخصيانه فقبض عليهم بختنصر وأرسلهم جملة إلى بابل وأجلى معهم عشرة آلاف نفس من أهل أورشليم من رؤساء وجبابرة وصناع وغيرهم ما خلا أقواما من الصعاليك خلفهم في المدينة، وملك عليهم متنيا عم يهوياكين بعد أن أخذ عليه المواثيق والأيمان المؤكدة وسماه صدقيا، واستولى على جميع ما وجده من ذخائر بيت المقدس وكنوز الملك وانقلب راجعا إلى بابل وكان ذلك سنة 599.
فلبث صدقيا مالكا على أورشليم تسع سنين خاضعا لبختنصر، ثم سولت له نفسه الخروج عن طاعته، فجاهر بالعصيان وأرسل إلى حفرع فرعون مصر يستصرخه، فاشتد ذلك على بختنصر وعزم على نسف أورشليم من أساسها وأن لا ييقي لها باقية تذكر، ولم يمض على ذلك إلا اليسير حتى أحاطت جيوشه بأورشليم وبنوا عليها البروج ونصبوا الدبابات والمجانيق، فأقامت تحت الحصار ثمانية عشر شهرا حتى اشتد الجوع في المدينة وذاقوا من الويل ما لم يبق معه للصبر طاقة، فعمدوا إلى ثغر السور وفر جميع المقاتلة ليلا وفيهم الملك، وكان جيش الكلدان محدقا بالمدينة فتتبعوهم وأدركوا الملك في برية أريحا وقد تفرقت عنه جميع جيوشه، فقبضوا عليه وقادوه إلى ربلة من أرض حماة، وكان بها بختنصر فقتل بنيه على مرأى منه ثم فقأ عينيه قائلا: ليكن هذا آخر ما تراه من الدنيا، وبعد ذلك قيده بسلسلتين من نحاس وسيره إلى بابل. ثم وجه بختنصر واحدا من قواده يقال له نبوزرادان إلى أورشليم، فأحرق بيت المقدس وبلاط الملك وكل بناء بأورشليم، ودك أسوارها إلى الأرض وأجلى من بقي من يهوذا إلى بابل، ولم يبق إلا شرذمة من مساكينهم ليكونوا أكرة في الأرض، واستعمل عليهم جدليا بن أحيقام، وحمل كل ما كان في الهيكل من أعمدة وآنية وبعث به إلى بابل، وقاد من وجده من أكابر اليهود إلى ربلة فقتلهم بختنصر عن آخرهم.
ولما ذاق بختنصر حلاوة النصر وآنس طالع الفوز وجه بأسه ناحية فلسطين يريد التهامها لما رأى بها من الثروة والنعيم، وأنزل جيشه على مدينة صور، وساق إليه القوات من العجلات والأسلحة، وأمده بالعديد والنفقات، وأقام يحاصرها نحوا من ثلاث عشرة سنة حتى دخلها عنوة، فأسرف فيها بالنكال والهدم والحريق، وسبى منها وغنم الغنائم الطائلة، وكان هذا الفتح سنة 574، وبعد ذلك زحف على الأقاليم الموآبية والعمونية، وكانوا قد أعدوا اليهود على قتاله أيام حصاره لأورشليم، فقاتلهم وأكثر فيهم من النكاية والقهر ثم سار إلى البلاد العربية، فدخل الحجاز واليمن ونجدا وعاد عنها مظفرا غانما، ولم يدع موضعا في آسيا الغربية إلا تغلب عليه وقهر أهله.
Shafi da ba'a sani ba