Tarihin Babil da Ashur
تاريخ بابل وآشور
Nau'ikan
وفي سنة 683 عاد سوزوب إلى بابل مرة ثالثة لتهييج الفتنة، فنهض إليه سنحاريب وقد أخذه من الحنق ما لم يبق معه موضع للصبر ولا محل للرفق، وانصب عليه بجنوده فانكسر سوزوب كسرة لم يقم بعدها، وتسلم سنحاريب بابل فضربها ضربا شديدا ولم تأخذه فيها رحمة ولا شفقة مع ما كان لها عنده من الحرمة؛ لأنها مدينة الآلهة، وولى عليها ولده آشور ناردين المعروف بأسرحدون وهو رابع أبنائه، وبعدما مهد الأمر في بابل انقلب راجعا إلى نينوى، فأقام بها زهاء سنتين يحكم بالعسف والجور إلى أن كان يوما ساجدا في هيكل نسروخ فوثب عليه ابناه أدرملك وشرأسر فقتلاه بالسيف طمعا في تولي الملك من بعده، وكان مقتله سنة 681.
وكان من أعقاب ذلك أنه لما بلغ الأمر أسرحدون في بابل حشد كتائبه، وانقض بها على نينوى يريد النقمة من أخويه وتسلم المدينة بعد أبيه، فأجفل أخواه من وجهه وفرا بأنفسهما إلى أرمينية فقبض أسرحدون على زمام نينوى واجتمع له الأمر على آشور والكدان جميعا، ولما استتب في يده الملك شرع في تقيل أبيه في الأحكام والغارات وتشييد المعاقل والقصور، ولم يلبث طويلا حتى بلغ من العزة والسطوة وبعد الصيت وفخامة الشأن ما لم يبلغه كثير من عظماء الملوك، وكان أسرحدون من أشد الملوك عزيمة وأعلاهم همة وأقواهم جأشا، وكان على ذلك موفق المقدم مسعود الجد لم يخفق في غزوة ولا توجهت عليه هزيمة مع كثرة غاراته وحروبه وبعد منزعه في الغزوات والفتوح، وأخباره لا يزال الكثير منها إلى هذا العهد مسطرا على الآثار، غير أنها غفل من بيان التاريخ ناقصة الشرح في أكثر المواضع إلا ما كان منها في أوائل ملكه، فإنه أوسع بسطا مما يليه.
فمما نطقت به تلك الآثار مما حكاه أسرحدون عن نفسه قوله في بعضها: أول ما أخلدت إلى الغارات وجهت طلائع بأسي جهة فينيقية، فحاصرت مدينة صيداء التي على فم البحر، فدككت أسوارها ونسفت مصانعها وهياكلها وطرحت أنقاضها في البحر وقتلت من بها من الكبراء والزعماء، وفر ملكها عبد الملكوت فأوغل في البحر فتعقبت مسيره وشققت الأمواج وراءه شق الأسماك حتى أدركته فقبضت عليه وجدعت أنفه، ثم عدت فاستحوذت على ما في خزائنه من الذهب والفضة والحجارة الكريمة والكهرباء والجلود المطيبة بالأفاويه العطرة وخشب الأبنوس والأنسجة المصبوغة بالنيل والأرجوان، واستقت من مملكته الرجال والنساء والبقر والشاء والدواب وسائر ما تهيأ لي نقله وحمله إلى مملكتي، وبعد ذلك شيدت حصنا منيعا سميته دور أسرحدون وشحنته بالرجال الذين أجلبتهم من البحر الأعلى من ناحية مشرق الشمس.
وبعد أن أتم كلامه في هذه الغزاة ذكر أنه سار من هناك إلى مملكة يهوذا يريد التهامها، فنازلها وقهر ملكها منسى وقاده أسيرا إلى بابل، ثم رق له فأعاده إلى ملكه على إتاوة يرفعها إليه كل سنة. قال: ثم خرجت من هناك قاصدا إقليم وان ونواحي بحر الخزر، فدوختها جملة، وبينا أنا في تلك الأطراف، وقد ترامت المسافة بيني وبين مملكتي اغتنم نبوزرسمتات بن مرودخ بلأدان هذه النهزة وأغرى من تحت يده من الطوائف القاطنة عند خليج فارس بالنشوز عن طاعتي، فانصرفت إليهم وأوقعت بهم ووليت عليهم مكان نبوزرسمتات أخاه نهيد مرودخ بعد أن ضربت عليه خراجا، وعدت من بعد ذلك إلى بابل، فلما بلغتها وجدت سجلات هيكل بورسيبا قد استولى عليها رجل كلداني اسمه سماسبني، وفر بها إلى مدينة يقال لها بيت دكوري، فتوجهت إليه فيها وانتزعت من يده السجلات المغصوبة وأعدتها إلى موضعها في بورسيبا، ووكلت الاحتفاظ بها إلى نبو سليم بن بعلز وهو من الثقات القائمين بحرمة الشرائع وصيانة القوانين.
ثم قال: وكان أبي قد غزا إلى بلاد العرب وافتتح مدينة دومة الجندل وهي عاصمة البلاد، فجددت الغارة على تلك البلاد وقهرتها وغنمت منها وأجليت جما غفيرا من أهلها، وبعد ذلك وفد علي الرسل من عند ملكتهم يحملون إلي الهدايا السنية والبضائع التي يعز وجودها في غير البلاد العربية، ويسألونني أن أمن عليهم بالأصنام التي غنمتها من أرضهم، فاستجبت مسئولهم وأمرت النحاتين، فأصلحوا ما تعطل منها ثم أمرت فنقشت عليها تسابيح آشور وعظائم اسمي المبجل، وبعد أن مضت على ذلك مدة من الدهر تغير رأيي فيهم، فوجهت إليهم طابويا إحدى نسائي تتولى الحكم عليهم وقلت لها: اذهبي فقد جعلتك سيدة على العرب كلهم، وعهدت إليها أن تأخذ لي منهم في كل سنة خمسة وستين وقر جمل علاوة على ما كانوا يؤدونه إلى أبي سنحاريب.
ثم ذكر أنه بعد ذلك توجه لتدبير إقليم الحجاز وعاصمته إذ ذاك مدينة يثرب وعليها ملك اسمه حسن، فلما قضى نحبه قلد مكانه ابنه يعلى وضرب عليه إتاوة جزيلة. ثم أوغل من هناك في بلاد العرب حتى أتى اليمن ودخل حضرموت وغنم منها الغنائم الطائلة وعطف منها على بلاد فارس، فدوخها وأسر بعضا من ملوكها وقفل عنها ظافرا مؤيدا، ولما استقر به المقام في نينوى أقام بها صرحا كبيرا جعله مدخرا لكنوزه، وفي سنة 682 غزا إلى قبرس وأخضع ملوكها العشرة، ثم ارتحل منها إلى مصر فأدخلها في طاعته وترك فيها قوما من الآشوريين يكونون سياطرة عليها ورقباء خوف الفتنة.
وكان أكثر مقام أسرحدون ببابل كما يدل على ذلك كثرة ما له فيها من المباني، وهو آخر من اشتهر من ملوك آشور بالفتوح الكبيرة والغزوات البعيدة والأبنية الحافلة والزخارف الثمينة، حتى يروى أن القصور التي من بنائه كانت كلها مكسوة بالفضة والذهب تأخذ بالبصر من شدة لمعانها، وفي هذه السنين المتأخرة كشف له اللورد لايرد الإنكليزي المذكور غير مرة في هذا الكتاب قصرا بناه ببابل لعله من أعظم القصور البابلية، يقول أهل التنقيب: إنه من صنع الفينيقيين الذين أجلاهم معه إلى بابل.
وفي سنة 668 مرض أسرحدون وأعضلت علته، فجمع إليه أكابر دولته وعقد بحضرتهم بيعة الملك لولده آشوربانيبال، وكان ذلك في اليوم الثاني عشر من شهر أيار ولم يبق لنفسه سوى مدينة بابل وأعمالها، وكان آشور بانيبال إذا كتب إلى أبيه يفتتح كتابه بقوله: من آشور بانيبال ملك آشور إلى أبي ملك بابل، وعاش أسرحدون بعد ذلك سنة ثم أدركته الوفاة.
ولما مات أسرحدون خلفه على سرير بابل ولده صملصامغين وهو الذي يسميه المؤرخون بصاوصدوخين، فلم يستقر في الملك حتى هاجت الفتنة في بابل وهو في مقدمة الأحزاب، وقد انضم إليه تعومان ملك عيلام ومن شايعه من الثائرين، وهبت أمم مصر والعرب في طلب الاستقلال وانتشر الشغب في جميع الأقاليم الخاضعة لآشور بانيبال، فجرد آشور بانيبال جحافله وزحف بها لمقاتلتهم، فكانت بينه وبينهم مواقع شتى دارت فيها الدائرة على الأحزاب، ففرق جموعهم وأكثر فيهم من النكال، وفر صاوصدوخين فلجأ إلى أخت له كانت لها شفاعة عند أخيه آشور بانيبال، فتوسل بها إليه أن تسأل له الصفح عن صنيعه، فمن عليه ورده إلى ملكه. ثم سار إلى شوشانة وعيلام ليحل بهما نقمته على ممالأتهما لأخيه، فقهرهما جميعا وقتل تعومان ملك عيلام وحرق كثيرا من المدائن وعاد إلى نينوى وقد انتشرت مهابته في تلك الأقطار.
وكان بعد وفاة تعومان قد استولى على سرير عيلام ملك يقال له أمانلدس، فآلى على نفسه أن يقهر آشور بانيبال وجرد جيشا كثيفا، وسار به يعيث في الممالك الآشورية، واتخذ له معقلا في الجبال التي بجبال سوزا شحنه بالذخائر والعدد، فثار إليه آشور بانيبال يجر وراءه جيشا من نخب قومه، وسار في البلاد لا يمر بمدينة من مدائن عيلام إلا أذاقها البلاء وأعمل فيها السيف والنار، حتى دخل مدينة شوشن وزحف منها إلى سوزا، فدخلها ووضع السيف في أهلها، وغادر فيها جماعة من قومه، ثم مضى بطلب أمانلدس حتى انتهى إلى بانون فلم يظفر به فخرب المدينة، ثم انقلب من هناك فانثنى على سوزا واستحوذ على ما فيها من الكنوز والذخائر، وهدم الهيكل الذي بها وكان كعبة للعيلاميين يحجون إليه كل سنة، ونقل ما فيه من الأصنام إلى نينوى وهو أول خبر وقع فيه ذكر لمعبودات العيلاميين في تواريخ الأمم.
Shafi da ba'a sani ba