الفصل الثالث
الآداب العربيّة في غرَّة القرن التاسع عشر إلى السنة ١٨٣٠
كان افتتاح القرن التاسع عشر في أيَّام السلطان الغازي سليم خان الثالث وكان من أفضل ملوك دولتهِ دمث الأخلاق مغرمًا بالآداب محبَّا لترقية رعاياه في معارج الفلاح. ثمَّ صار الملك إلى ابن عمّهِ السلطان مصطفى خان الرابع الذي لم يملك أكثر من سنة فضبط من بعدهِ سنة ١٨٠٨ زمام السلطنة أخوه محمود خان الثاني فطالت مدّتهُ وكان كالسلطان سليم هائمًا بترّقي شعبهِ ساعيًا في أسباب نجاحهِ في فنون الآداب وللشاعر نقولا الترك قولهُ جلوسهِ:
توّلى التختَ سلطان البرايا ... وأَيّدهُ الإلهُ بمرتقاهُ
فصاح الكون لمَّا أرَّخوهُ ... نظامُ الملك محمودٌ بهاهُ
ومن مساعي السلطانين سليم ومحمود المشكورة تعزيزهما لفنّ الطباعة في دار السعادة فطُبعت فيها عدَّة تآليف عربيَّة فضلًا عن المصنَّفات التركية. ويبلغ عدد المصنَّفات العربيَّة التي نُشرت بالطبع في هذه الثلاثين سنة نيّفًا وأربعين كتابًا كقاموس المحيط للفيروز أباديّ (١٨١٤) مع شرحهِ في التركيَّة وكحاشية السيلكوتي على مطوَّل التفتزاني (١٨١٢) ومراح الأرواح لأحمد بن علي بن مسعود مع مجموع تآليف أُخرى نحويّة وصرفيَّة (١٨١٨) وكافيَّة ابن حاجب (١٨١٩) وغير ذلك ممّا مرَّ لنا ذكرهُ في مقالتنا عن فنّ الطباعة في الأستانة (المشرق ٣ (١٩٠٠): ١٧٤ - ١٧٩) وفي ملحق تاريخ تركيَّا للمؤرخ الألماني هامّر (J. de Hammer) جدول هذه المطبوعات كلها في ٩٧ عددًا (اطلب الجلد ١٤ ص ٤٩٢ - ٥٠٧) . وكان الولاة يساعدون السلاطين في إدراك غايتهم الشريفة في جهات المملكة كسليمان باشا في عكَّا ويوسف باشا كنج في دمشق وداود باشا في بغداد وغيرهم.
وجاء في لغة العرب (١: ٩٨) أن الوزير سليمان باشا القتيل كان أوَّل من أيقظ العلوم والمنتمين إليها في ديار العراق بعد سُباتها العميق وأنشأ في بغداد عدَّة مدارس. ثمَّ جاء بعدهُ بقليل داود باشا فأنهضها النهضة التي خلدت لهُ الأثر المحمود والذكر الطيّب.
1 / 19