والسماعنة إلى مكتبة الفاتيكان عددًا لا يُحصى من كنوز الشرق الأدبيَّة بينها المئون من تأليف العرب اقتنوها بإيعاز الباباوات كما أشرنا إلى ذلك (المشرق ١٠ (١٩٠٧): ٢٥) . ثمَّ اتسعت تلك النهضة في كل أقطار أوربَّة فتوفَّر عدد الدارسين للُغات الشرقيَّة وحفلت المكاتب بآثار العرب والسريان لا سيما خزائن كتب باريس ومجريط ولندن واكسفورد ولَيْدن ونُشرت تأليف عربيَّة جليلة لأَعظم أُدباء العرب وأشهر كتبة الشرق ولم يكتف المرسلون بذلك بل انصبوا على دراسة العربيَّة انصبابًا بلَغ بهم إلى أن أَتقنوا أصولها وألَّفوا فيها التآليف المتعددة منها دينيّة ومنها أدبيّة ونقلوا إليها عددًا دثرًا من طُرف المصنَّفات الأوربية. وهو بحثٌ استوفيناه في مقالاتنا التي أدرجناها في إعداد المشرق عن المخطوطات العربية لكتبة النصرانية.
لكنَّ هذه الحركة مع سعة نطاقها لم تتجاوز حدودًا معلومة بل خمدت في آخر القرن الثامن عشر بعض الخمود لِما طرأَ على أنحاء أوربَّة من الدواهي بنشوب الحروب واستشراء الفساد وكثير من المدارس الشرقيَّة أُقفلت لسوء أحوال الزمان.
وما عتَّمت فرنسة أن أدركت حاجتها إلى علماء يحسنون لغات الشرق وخصوصًا اللغات الحية وفي مقدمتها العربيَّة فأنشأ أرباب أمرها في باريس في ٢٩ نيسان من السنة ١٧٩٥ مدرسةً لتعليم اللغات الشرقية الحيَّة أعني العربيَّة والفارسيَّة والتركيَّة وهي المدرسة التي أضحت مثالًا لِما أُنشئ. بعدئذٍ على هيئتها من المدارس الشرقيَّة العمليَّة في عواصم شتى من الممالك الأوربية. وتلك المدرسة لم تزل تترَّقى في معارج التقدُم إلى يومنا هذا خرج منها عددٌ لا يُحصى من العلماء المستشرقين من فرنسيون وألمان وإيطاليين وسويسريين وغيرهم نذكر فيما بعد لمعةً من أخبارهم. وقد أُقيمت للمدرسة المذكورة أعياد شائقة قبل ٣٠ سنة بنسبة يوبيلها المئويّ وطُبعت بعدئذٍ المطبوعات المفيدة لتسيطر تاريخها مع عدَّة آثار من قلم أساتذتها وتلاميذها. وممَّا أضافتهُ هذه المدرسة إلى تعليمها لغات الشرق الأقصى أي الصينيَّة واليابانية والأناميَّة. وكذلك أدخلت في جملة دروسها الأرمنيَّة والهندستانيَّة وفيها يدرس الذين يترشَّحون للمناصب القنصليَّة في الشرق وكان أعظم السُّعاة في فتح هذه المدرسة رجلان هُمامان أحدهما يُعرف بكبير
1 / 13