177

Tanzih Alkur'ani

تنزيه القرآن عن المطاعن

Nau'ikan

وربما قيل كيف يجوز أن يخفى خبره عليهم المدة الطويلة مع قرب المسافة بين مصر وبين البدو الذي كانوا فيه حتى يجري الأمر على ما ذكره تنزيه القرآن (13) الله عز وجل في كتابه. وجوابنا أن إخوة يوسف لما أقدموا على ما فعلوه في أمر يوسف وجملة جماعة من السيارة وقد اشتروه بثمن بخس ظنوا فيه خلاف ما ظهر فقل تفتيشهم عنه ولما حمل واشتراه ذلك العزيز لامرأته واتخذاه كالولد كان كالمكتوم عن الناس مع حسن صورته ومثله ربما يخشى ظهوره ثم أقام محبوسا ما أقام وتردد في المجلس فعمي أمره وقد طالت المدة فلذلك ولأمثاله خفي خبره على أبيه وإخوته فأما خبرهم فلم يخف عليه لأن الذي عامل به اخوته يدل على أنه كان بذلك عارفا وكان يتلطف في تحصيل أخيه ثم أبيه بالوجوه التي أباحها الله تعالى ومثل هذا السبب قد يخفى عنده الخبر فلذلك خفي على يعقوب وعلى اخوته خبره (فان قيل) كيف يجوز مع شدة محبة يعقوب أن لا يفتش عن خبره وقد كان قال لهم ما يدل على أنه اتهمهم في أن الذئب أكله. وجوابنا أن يعقوب ما كان يعرف الاخبار الا من جهة أولاده لأن سائر الناس كان يقبض عنهم وأولاده كانوا لا يفتشون عن ذلك لأن سبب الجناية كان منهم وظنوا أنه مفقود في الحقيقة ولأن شدة حزنه وما لقي من المحن في تلك السنين كان يشغل عن مثله (فان قيل) كيف يجوز من يعقوب وهو نبي ان يحزن كل ذلك الحزن على يوسف أو ليس ذلك يصرف عن أمور الآخرة. قيل له قد أبيح للوالد محبة الولد والسرور بأحواله خصوصا اذا كان الولد على مثل صفات يوسف أو ما يقاربها ويحتمل أيضا أنه كان اشتد حزنه لانه ظن أنه قصر في حفظه وأنه فرط في أن سلمه من اخوته فتضاعف حزنه لذلك أيضا. فان قيل له كيف جاز أن يقول يوسف وقد جعل السقاية في رحل أخيه إنهم لسارقون وهذا في الظاهر كذب. وجوابنا أن جعل السقاية في رحل أخيه يجوز أن يكون من قبله بأمره فأما ما قاله المؤذن من أنهم سارقون فهو من قبل المؤذن لا من قبل يوسف. فان قيل فكيف قال (فما جزاؤه إن كنتم كاذبين قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه). وجوابنا أن كل ذلك ليس من قول يوسف فأما تملك السارق فقد كان بين ذلك الملك ويجوز ان يكون في بعض شرائع الانبياء فلذلك قالوا فهو جزاؤه. فان قيل وكيف قال تعالى (كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله) وأخذه على هذا الوجه معصية لا يجوز أن يشاءه الله فكيف يصح ذلك. وجوابنا أن المراد مشيئة حصوله هناك حتى يصح أخذه لأن كل ذلك مما يجوز أن يشاءه الله ولذلك قال بعده (نرفع درجات من نشاء). فان قيل كيف يصح أن يقول يعقوب صلى الله عليه وسلم (إني لأجد ريح يوسف لو لا أن تفندون) فيضيف اليهم التنفيذ والذم له وكيف جاز أن يقولوا له (إنك لفي ضلالك القديم) فينسبون الضلال اليه. وجوابنا أنه لا يمتنع أن يجد ريح يوسف وأمارات حياته وأن يكون الله تعالى قوي ذلك لما أراده من اجتماعهم وأما الضلال في اللغة فهو الذهاب عن الشيء الذي فيه نفع فأرادوا بقولهم إنك لفي ضلالك القديم انك تجري على عادتك في العدول عما ينفعك ومثل ذلك قد يجوز أن يقال للانبياء فيما يتعلق بأمور الدنيا فان قيل كيف يعود بصيرا بالقاء القميص اليه قيل له أنه نبي وفي أيام الانبياء قد يصح ظهور ما يخرج عن العادة فان لم يكن من معجزات يعقوب فهو من معجزات يوسف فلا سؤال في ذلك. واختلفوا فقال بعضهم كان بصره قد ضعف لا أنه قد زال ومثل ذلك كالمعتاد اذا كان المرء شديد الخوف ثم يعود له الفرج والسرور فتعود قوة بصره ومنهم من قال بل كان بصره قد زال على ما يدل الظاهر عليه فيكون الجواب ما تقدم. فان قيل كيف قال وقد عاد بصره (ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون) أو ليس ذلك يدل على أنه كان عالما بحياة يوسف. وجوابنا انه لا يمتنع أن يكون عالما بذلك من جهة الوحي ولا يمتنع أن يكون ظانا لذلك لعلامات وأمارات واذا علم فقد يجوز أن يكون عالما بشرط لا يحل معه القطع ويجوز خلافه وأحواله كانت تدل على أنه لم يكن قاطعا على موته ولا يمتنع أن يكون قد أوحي اليه بما يدل على عوده اليه آخرا. فان قيل كيف يجوز أن يقولوا (يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا) وهذا كلام معتذر تائب فيكون جوابه (سوف أستغفر لكم ربي) فلم يقبل عذرهم في الحال وذلك لا يجوز على الانبياء. وجوابنا أنه قبل عذرهم في الوقت وانما وعدهم باستغفار مستقبل يقتضي استدعاء حصول المغفرة من قبل الله تعالى فاراد الدعاء لله تعالى وذلك مما لا يجب في الوقت وانما الذي يلزم في الحال قبول العذر فقط كما قال يوسف عليه السلام (لا تثريب عليكم اليوم) ويحتمل أنه عليه السلام لم يعرف أن مقصدهم بقولهم (استغفر لنا) الاعتذار الخالص وان كانوا قد تابوا من قبل فقال سوف استغفر لكم ربي اذا عرفت منكم الاخلاص. فان قيل كيف قالوا وقد دخلوا عليه أنك لأنت يوسف وقد ترددوا عليه حالا بعد حال حتى قال (أنا يوسف وهذا أخي) وكيف يخفى عليهم حديث أخيهم خاصة وكيف قال لهم (إذ أنتم جاهلون) وكانوا أنبياء. وجوابنا ما تقدم من أن حال يوسف كان قد تغير في صورته وفي محله وكانوا لا يتأملون تأمل متعرف فلذلك خفى عليهم فأما أخوه فكانوا يعرفونه ولم يقل يوسف (وهذا أخي) لانهم لم يعرفوه لكنه أراد اظهار نعمة الله عليه باجتماع أخيه معه ولذلك قال (قد من الله علينا إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين) فاما قوله (إذ أنتم جاهلون) فالمراد به أيام الصبا وقد يقال لمن لا يعرف الامور انه جاهل لا على طريق الذم. فان قيل فما معنى قوله وقد آوى اليه أبويه (ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين) وكانوا قد دخلوا. وجوابنا انهما التقيا به خارج مصر فقال ما قال وذلك صحيح وهذا كما يستقبل المرء من يعظمه خارج البلد وأراد بذلك تعريفهم انهم تخلصوا مما كانوا عليه من المحق والمجاعة في ذلك البدو. فان قيل فما معنى (ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا) وكيف يسجدون له وذلك من العبادات التي لا تليق الا بالله تعالى. وجوابنا ان رفعه لهما على العرش كان على وجه الاعظام وايصال السرور اليهما برفعهما على السرير المرتفع فاما السجود فقد يحسن شكرا لله اذا وصل المرء الى نعم عظيمة فيجوز أن يكون سجودهما له على هذا الوجه وأضيف السجود اليه لما كان سبب ذلك كما يضاف السجود الى القبلة على قريب من هذه الطريقة. ويحتمل في السجود أن يكون وقع منهما على وجه الاعظام له فان ذلك يحسن على بعض الوجوه. وقد قيل ان الله تعالى ذكر السجود وأراد الخضوع بضرب من الميل الى الارض أقرب الى الظاهر بين ذلك قوله تعالى (وقال يا أبت هذا تأويل رءياي من قبل قد جعلها ربي حقا وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو) ودل بقوله (من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي) على انه قد زال عن قلبه ما عملوه به فاضافه الى الشيطان تحقيقا لذلك ودل بقوله وقد جعله الله نبيا (أنت وليي في الدنيا والآخرة) بعد التحية وقوله (توفني مسلما وألحقني بالصالحين) على وجوب الانقطاع الى الله تعالى والخضوع له في المسألة مع العلم بالغفران فمن الله تعالى على نبينا صلى الله عليه وسلم بقوله (ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك) لان في قصة يوسف من العجائب والعبر ما يوجب الشكر ودل بقوله (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين) على ان من يؤمن من الناس قليل من كثير وان كان الانبياء يحرصون على ايمانهم ودل بقوله (وما تسئلهم عليه من أجر) على ان دعاء الغير الى الايمان لا يكاد يؤثر الا مع رفع الطمع ودل تعالى بقوله (وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون) على ان الواجب على العاقل التفكر في الآيات اذا شاهدها وان ذلك من أعظم ما يأتيه المرء وكذلك قال بعده (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) ثم بين ما يلحقهم إذا أعرضوا عن الآيات من العقاب فقال (أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله أو تأتيهم الساعة بغتة) فنبه بذلك على وجوب الحذر من قرب الساعة وقرب الاجل ثم أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يقول (هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني) ودل بذلك على ان هذا الدعاء كما يلزم الرسول يلزم من اتبعه من أهل المعرفة واليقين ودل بقوله (وسبحان الله وما أنا من) (المشركين) على وجوب تنزيه الله تعالى ممن يدعو الى الدين عما لا يليق به وقوي من نفسه صلى الله عليه وسلم من بعد بقوله (حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جاءهم نصرنا ) وبين ما في قصص الانبياء من النفع في الدين فقال (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب) وهذا أحد ما يدل على ان الواجب أن يقرأ القرآن بتدبر حتى ينتفع المرء بذلك.

Shafi 198