ومنه التتميم، وهو أن لا يترك المتكلم شيئا يتم الإحسان معه في كلامه إلا أتى به، كهذا الحديث، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال: ((كلمتان حبيبتان إلى الرحمن)) الحديث. فلو اقتصر على قوله: ((سبحان الله وبحمده))، فقط لخيل للسامع أن إحدى الكلمتين ((سبحان الله)) والأخرى: ((وبحمده)) لا سيما وقد جاء الحديث الذي قدمناه من طريق أبي صالح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: ((إني ألممت بذنب عظيم فماذا يكفر عني؟ وذكر الحديث وفي آخره، وقال صلى الله عليه وسلم : ((عليك بكلمتين خفيفتين على اللسان ثقيلتين في الميزان ، ترضيان الرحمن: سبحان الله وبحمده وهما القرينتان، [فتمم] صلى الله عليه وسلم بقوله في هذا الحديث: ((سبحان الله)) حقيقة مراده، ويمم السامع طريقة اجتهاده، وأعطى المعنى نصيبه من القوة، ووفاه حظه من الجودة.
ومنه المبالغة، ويقال التبليغ، وسماها قوم: الإيغال: ومن أنواعها أن يذكر المتكلم شيئا لو وقف عليه أجزأه في غرضه، فلا يقف عليه ويتجاوزه إلى شيء آخر زيادة في البيان، ومبالغة في المعاني الحسان، كما في هذا الحديث، فالاكتفاء على سبحان الله وبحمده مجز في الغرض، لا سيما وقد ترتب أجر الكلمتين على سبحان الله وبحمده فقط، كما تقدم من طريق أبي صالح عن أبي هريرة، فزاد في رواية أبي زرعة عن أبي هريرة رضي الله عنه في ((الصحيح)): ((سبحان الله العظيم)) مبالغة في المعنى الجسيم.
ومن المبالغة نوع آخر، وهو أعلى أنواعها، وهو أن يكون الكلام مبالغا في فحواه، مشتملا على أعلى عبارات معناه، كقول الله عز وجل: {يوم تذهل كل مرضعة عما أرضعت}، وإنما خص المرضعة دون لفظ الوالدة؛ لأن المرضعة لا تفارق الولد ليلا ولا نهارا وعلى حسب القرب تكون المحبة والألفة وذلك بخلاف الوالدة.
Shafi 129