وليس النقل شرطا في إيجاد المجاز على التحقيق، فضلا عن يقال: إن الشاعر خرج عن كلام العرب، بل فعل شيئا معيبا خارجا عما يقبله البلغاء، وهو في نفسه صحيح وهو ذلك التعقيد، ونظير ذلك البيت في كون تحمل المكروه سببا لوصل المحبوب قول أبي العلاء:[ من الطويل ]
هو الهجر، حتى ما يلم خيال، ... وبعض صدود الزائرين وصال (¬1)
... ولفظ <<هو>> عائد على معلوم في الذهن مبتدأ خبره <<الهجر>>، وفاعل<< يلم>> ضمير <<الهجر>> مفسر به، أو <<الهجر>> بدله مفسر به، و<<خيال>> خبر. ويجوز أن يكون [<<هو >> ] ضمير الشأن و<<الهجر خيال>> مبتدأ وخبر، والجملة خبره، وفاعل <<يلم>> ضمير. ومنع بعض كون <<هو>> ضمير الشأن فيه، وأما <<ما>> فقيل: نافية أي: حتى إذا اتنفي إلمامه فهو خيال لعدم وجوده، وقيل: زائدة أي: حتى إذا ألم فهو خيال، لأنه لعدم طلبه واعتباره كالمعدوم الذي هو خيال، وقيل: مصدرية أي: حتى إلمامه خيال و<<يلم>> مرفوع في هذا الوجه.ويجوز رفعه ونصبه في الوجهين الأولين. وإذا جعلنا <<الهجر>> خبرا <<فخيال>> خبر ثان أو فاعل<< يلم>>، كما قيل: المعنى حتى ما ينزل خيال من هذا الذي يهجرنا، وبعض صدود الزائرين وصال بأن يراهم محبهم في النوم؛ فحضورهم في النوم وصال منهم، ونحن لم ننل وصال من هجرنا ولو مناما، أو الصدود قد يعد وصالا لما كان سببا لرؤيتهم في المنام بواسطة كثرة تعلق قلبه به. ويضعف أن يقال: مراد عباس بن الأحنف: أن الدهر عنود، يقابل بصد المقصود، فاقصد البعد ليحصل القرب، والحزن ليحصل السرور.
Shafi 43