والمعمى يستخرج من الكلام ولو لم يقصده متكلمه. ويحكى أن الصاحب بن عباد رأى أحد ندمائه متغيرا لسخنة، قال: ما الذي بك ؟ فقال: حمى يعنى حرارة، فقال الصاحب: << قه >> يعني احترز منها، فقال النديم: << وه >> فاستحسن الصاحب منه ذلك وأحسن إليه كل الإحسان. فإن << قه>> و<<وه >> هما <<قهوه>> ولو كان <<قه>> مكسور القاف و<<قهوة>> مفتوحة لأنه لا يشترط التوافق في ذلك، والصاحب لما صدر منه لفظ <<قه>> بعد لفظ <<حمى>>، فكان مجموعها <<حماقة>> (بتخفيف الميم وفتح الحاء) أصلح النديم ذلك بأن أغضبه <<بوه>> ليأخذ <<قه>> عن <<حمى>> فيصير <<قهوه>> مع <<وه>> فيبطل لفظ <<قهوة>>. ومن ذلك ما روي: أن بعض الذين يسوقون البغال ساق بغلة في سوق بغداد، وكان بعض شهود دار القضاء حاضرا، فضرطت فقال السائق: - على عادتهم إذا ضرطت - بلحية العدل (بكسر العين)؛ أي ضراطها في أحد عدلي الحمل شبه بريء، ورمز إلى التشبيه بإثبات اللحية، فقال بعض الظرفاء: - على الفور- افتح العين فإن المولى حاضر؛ أراد بالعين عين البصر، وبالمولى من يستحيي منه في طلبه بفتح العين الوجد تأديبا، لأن أساس العدل بالكسر والعدل أو أرد حرف العين والمولى المستحق لذلك وهو الشاهد، ومن ذلك قول أبي بكر اليتيم في شراب: [ من الكامل ]
بشرا يخر إلى السجود لربه ... فترى أسرة وجهه فوق الثرى
... يريد أن لفظ <<بشرا>> يسجد بوجهه وهو الباء فتتقدم لما بعد الألف فيكون لفظ << شراب>>، وكقول المذكور في اسم عثمان:
يامن عن الراح بات في شغل ... حتى اكتسى حمرة من الخجل
اشرب ففصل الربيع جاء وقد ... قارنت الشمس أول الحمل
... أراد <<بالشمس>> لفظ <<العين>>؛ لأن العين من أسماء الشمس، وأراد <<بأول الحمل>> لفظ
<< ثمان>>، لأن عدد ( الحاء ) ثمان وثمان مع ( العين ) عثمان، والله اعلم.
Shafi 37