باب التعقيد ... وهو إخفاء المعنى لنحو التقديم والتأخير، والحذف بلا قرينة أو بقرينة غير واضحة، والفصل، أو لتعسر انتقال الذهن من المعنى الأول المفهوم بحسب اللغة إلى المعنى الثاني المقصود. وإن شئت فقل: هو أن لا يجعل الكلام ظاهر الدلالة على المراد لخلل في التركيب بنحو التقديم والتأخير، والحذف بلا قرينة، والفصل، أو لخلل واقع في انتقال ذهن السامع من المعنى الأول المفهوم بحسب اللغة إلى الثاني المقصود بأن يبطؤ الانتقال بإيراد اللازم البعيد بدون افتقار إلى واسطة مع خفاء العلاقة بينه وبين ملزومه - وذلك قليل- أو بإيراد لازم أو لازمين فصاعدا مع افتقار إلى واسطة أو واسطتين فصاعدا مع خفاء القرينة الدالة في ذلك كله على المراد. وهو مأخوذ من قولك: " عقدت الشيء " أو عقدت الخيط أو الحبل أو بهما ، إذا ربطت بهما على شيء بحيث لا ينحل إلا بصعوبة. شبه به الكلام الذي أخفي معناه على حد ما مر، لأنه لا يفسر إلا صعوبة وبها ينحل.وشدد للمبالغة فكان المصدر التعقيد، فخرج بقولنا : ( لخلل) المتشابه والمجمل والمشكل، فإن عدم ظهور دلالتها ليس لخلل النظم والانتقال، بل لإرادة إخفاء المراد منها لحكم ومصالح.
... ومن المشكل اللغز والمعمى، فهما صحيحان، وخفاء المراد منهما لا يمنع فصاحتهما لما عرفت من أنه ليس لخلل النظم أو الانتقال. والمعمى: قول يستخرج منه كلمة فأكثر بطريق الرمز والإيماء بحيث يقبله الذوق السليم، فالقول جنس يشمل الكلمة فصاعدا سواء أكان كلاما تاما أم لا إذ قد يقع في المعميات أن يكون ما يؤخذ منه المعمى جزء كلام [ حيث ] يؤخذ المعمى من ذلك الجزء فقط ويترك ما عداه مما يصير به الكلام تاما. وخرج بطريق الرمز والإيحاء ما يدل صريحا كقول الشاعر: [ من الرمل ]
لا تقولن لا فمكتوب على ... وجهك المشرق نصا نعم
Shafi 35