198

قيل له: لسنا نمنع الأذان قبل طلوع الفجر، لكن لا يجوز أن يعتد به للفجر، وفي الحديث: ((كلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم )). فقد بان أن الاقتصار على الأذان بليل لا يجوز، على أنه قد روي ما يدل على أن أذان بلال لم يكن للصلاة، وهو أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، قال: (( إن بلالا يؤذن بليل؛ ليرجع قائمكم، ويوقظ نائمكم، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم )).

فإن قيل: فما الوجه فيما روي أن بلالا أمر بإعادة الأذان حين أذن قبل الفجر، وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له: (( لا تؤذن حتى يستبين لك الفجر )). ثم روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم (( إن بلالا يؤذن بليل ))؟

قيل له: يجوز ما روي أولا من أمره بإعادة الأذان، ونهيه عنه قبل الفجر كان حين كان هو المنصوب لتأذين الفجر، ويدل على ذلك أنه كان في أول الأمر قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم له: (( ناد: إن العبد نام )). فبان أن الناس لم يكونوا عهدوا النداء قبل الفجر، فخاف النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يخطئ قوم فيصلوا قبل الفجر.

فأما ما روي أن بلالا يؤذن بليل فيجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ذلك؛ لأنه كان نصب لتأذين الفجر ابن أم مكتوم.

فإن قيل: إذا سلم لنا أن الأفضل هو التغليس بالفجر، فلا بد من أن يقع الأذان قبل الفجر؟

قيل له: ليس الأمر على ما قدرت؛ لأن الأذان وإن وقع بعد طلوع الفجر، فإن القدر الذي يتأهب الإنسان فيه للصلاة لا يخرجه من أداء الصلاة في الغلس، على أن الأذان إنما هو دعاء إلى الصلاة لا إلى الاستعداد، فلا يجب أن يتقدم على وقت الصلاة، على أن من أراد الأفضل يمكنه أن يستيقظ قبل الفجر، ويستعد حتى يصادف الوقت مستعدا كما يفعله المؤذن نفسه، فبان بهذه الوجوه أنه لا معنى لتعلقهم بما تعلقوا به.

Shafi 198