القدماء لما رأوا الأجرام النيرة طالعة من مشارق الأرض مرتفعة بالتدريج إلى حد ما هابطة منه كذلك إلى أن تغيب في المغارب ماكثة في غيبتها زمانا ما عائدة بعد ذلك إلى المشارق متكافئة في أزمنة الظهور والخفاء وفي المشارق والمغارب في جل الأمر كأنها على دوائر متوازية مترتبة حكموا بكرية السماء واستدارة الحركات وقد أكد ذلك مشاهدة استدارة الكواكب الأبدية الظهور حول نقطة تصلح لأن تكون قطبا للكل في دوائر متوازية مختلفة الصغر والكبر على الترتيب بحسب البعد من تلك النقطة إلى أن تنتهي إلى ما يطلع ويغيب وتزداد أزمنة الخفاء وتنقص أزمنة الظهور بحسب ازدياد البعد إلى أن تتساويا ثم تختلفا على عكس الأول بنسبة واحدة فهذه وأمثالها قد أوقعت التصديق بذلك أولا والتكذيب بما يخالفه من الآراء بعده وذلك كما يطن أنها تتحرك بالاستقامة إلى غير نهاية فإنه يقتضي امتناع العود إلى الطلوع من غير رجوع والرجوع من غير مشاهدة ويوجب انتقاص النور والعظم بحسب ازدياد البعد عن الناظرين إلى أن يغيب من غاية الصغر بخلاف ما عليه الوجود فإن الأجرام النيرة توجد متساوية الأحوال في الأكثر وقد تعظم عند الطلوع (¬9) الغروب وتستتر حالة الغروب شيئا بعد شتي وكما قال قوم إنها تشتعل من الأرض فتطلع وتنطفئ فتغيب فإن ذلك ينافي النظام المتعلق بهذه الأجرام وأحوالها الذي سيتبين وجوده في هذا العلم ومع ذلك يقتضي كون جانب من الارض مشتعلا وجانب مطفئا بل الجزء الواحد مشتعلا لقوم ومنطفئا لقوم وكون كوكب بعينه في زمان بعينه مشتعلا لقوم ومنطفئا لقوم وهذه ضحكة وسخرية ومع ذلك فليت شعري ما يقولون في كواكب تظهر دائما لقوم وتطلع وتغيب لقوم إذ لا وجه لاجتماع الحالتين لكوكب بعينه في زمان بعينه على رأيهم المذكور وبالجملة تعدم استدارة حركات الأجرام حول الناظرين يقتضي اختلاف أبعادها المستلزم لاختلاف أقدارها عند أبصارهم في الدورة الواحدة لكن الأقدار متساوية فالحركات مستديرة وكون البعض أعظم عند الأفق لا ينافي ذلك لأن الأبخرة المائية تقتضي ذلك لذلك يرى الشيء في الماء أعظم منه في الهواء والأكثر رسوبا أعظم من الأقل ومما يدل على استدارة الشكل وجوب استدارة آلات القياس B بيطابق المعلوم بها الموجود وأيضا فأسهل الأشكال حركة الدائرة من السطوح والكرة من الأجسام ومما أوسع من كل شكل يساويهما في المحيط والحركات السماوية أسهل الحركات وجرم السماء المحيط بغيره من الأجسام ينبغي أن يكون أوسع مما † ... † لكنه ليس بسطح فهو كرة مستديرة الحركة ويدل على ذلك أيضا أمور طبيعية منها بساطة الفلك في طبعه وتشابه أجزاء جرمه فإن ذلك يقتضي استدارة الشكل لأن ما يقتضيه الطبيعة البسيطة لشيء غير مختلف لا يمكن أن يختلف وأيضا المركبات الكائنة الفاسدة إنما خرجت من الاستدارة لاختلاف طبائعها وغاياتها والنيرات العلوية مستديرة متشابهة وإلا فلم تر من نواحي الأرض في وقت بعينه متساوية كما لا ترى القضعة أو الجسم المسطوح من الجوانب متساوي الشكل والجرم المحيط بها ينبغي أن يشابهها في الطبع فهو كري ولتشابه أجزائه تكون حركته مستديرة أقول وبعض هذه الحجج إقناعية
<I.4> د في أن الأرض كرية في الحس بالقياس إلى الكل
يدل على ذلك طلوع الأجرام النيرة وغروبها في البقاع الشرقية قبل طلوعها وغروبها في الغربية بقدر ما يقتضيه أبعاد تلك البقاع في الجهتين على ما يتضح من أرصاد كسوفات بعينها لا سيما القمرية في بقاع مختلفة فإن ما أثبته القدماء منها ليس في ساعات متساوية البعد من نصف النهار بل على الوجه المذكور وكون الاختلاف متقدرا بقدر الأبعاد دال على الاستدارة المتشابهة الساترة † ... † للمواضع التي يتلو بعضها بعضا على قياس واحد وأيضا عدم الاستدارة يستلزم أمورا غير موجودة مثلا لو كانت مقعرة لكان الطلوع أولا على الغربيين ولو كانت مسطحة لكان على الجميع معا ولو كانت كثيرة القواعد لكان على ساكني كل سطح منها معا ولو كانت اسطوانية قاعدتاها نحو القطبين كما ظن قوم لم يكن لساكني الاستدارة كوكب أبدي الظهور بل إما الجميع طالعة غاربة أو كانت كواكب تكون من كل واحد من القطبين على بعد تستره القاعدتان أبدية الخفاء والباقية طالعة غاربة وليس كذلك أيضا فالسائر إلى الشمال قد تغيب عنه دائما كواكب كانت تظهر له وتظهر له دائما كواكب كانت تغيب عنه بقدر إمعانه في السير وذلك يدل على استدارتها في هاتين الجهتين أيضا وأيضا فطلوع رؤوس الجبال الشائخة على السائرين في البحر أولا ثم ما يلي رؤوسها شيئا بعد شيء في جميع الجهات يدل على استدارة سطح الماء
<I.5> ه في أن الأرض في وسط السماء كالمركز في الكرة
Shafi 3