أحدهما: أن في هذا ظلما للمصروع غير مستحق عليه، وذلك بإزالة عقل عاقل لنفع غيره، بل أصل إزالة العقل محرم، لا سيما والذي يصرع يبقى بعد الإفاقة فيه نوع من الخبل، وفيه تطريق للجن عليه.
والوجه الثاني: أنه لا يوثق بخبر الجن، ولا بخبر المصروع عنهم مع تيقن حضورهم؛ فإنه لم يعرف صدقهم وعدلهم، بل أهل التجارب لهذه الأمور يعلمون أن هذه الأخبار يكثر فيها الكذب، بل قد يكون الكذب فيها أكثر من الصدق، فيبقى مثل أخبار المنجمين وأمثالهم ممن لا يجوز الاعتماد على أخبارهم، وكذلك أخبار الكهان، فإنه قد علم أن الكهان تخبرهم الشياطين بالخبر الذي يسترقونه من السماء، ومع هذا فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إتيانهم؛ لأنهم يخلطون الصدق بالكذب.
ففي الصحيح عن معاوية بن /189أ/ الحكم السلمي، قال: قلت: يا رسول الله، إن فينا قوما يأتون الكهان؟ قال: «فلا تأتوهم» (¬1). وفي الصحيح عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الكهان؟ فقال: «ليسوا بشيء». فقيل له: إنهم يخبرون بالشيء فيكون؟ فقال: «تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني، فيقرها في أذن وليه كما تقر الدجاجة»، أو كما قال صلى الله عليه وسلم (¬2). وفي الصحيح أنه قال لابن صياد: «ما ترى؟»، قال: أرى عرشا على الماء. قال: «بما يأتيك؟»، قال:
Shafi 31