408

Tafsirin Nahr Madd

النهر الماد

Nau'ikan

{ والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } الآية، قال السائب: نزلت في طعمة بن أبيرق ومضت قصته في سورة النساء ومناسبتها لما قبلها أنه لما ذكر جزاء المحاربين بالعقوبات التي منها قطع الأيدي والأرجل من خلاف، ثم أمر بالتقوى لئلا يقع الإنسان في شيء من الحرابة ثم ذكر حال الكفار ذكر حكم السرقة لأن فيها قطع الأيدي بالقرآن، والأرجل بالسنة، على ما يأتي ذكره.

وهي أيضا حرابة من حيث المعنى لأن فيها سعيا بالفساد إلا أن تلك على سبيل الشوكة والظهور والسرقة على سبيل الاختفاء والتستر. والظاهر عموم السارق والسارقة فيمن سرق قليلا أو كثيرا، واختلفوا فيما يقطع فيه السارق فقيل: يقطع في القليل والكثير كما دل عليه ظاهر العموم وهو مذهب جماعة من الصحابة والتابعين وهو مذهب داود والخوارج. قال داود ومن وافقه: لا يقطع في سرقة حبة واحدة ولا تمرة واحدة بل في أقل شيء يسمى مالا وفي أقل شيء يخرج الشح والفئة. وقيل: النصاب الذي تقطع فيه اليد عشرة دراهم فصاعدا أو قيمتها من غيرها وهو قول بعض الصحابة والتابعين وبه قال أبو حنيفة والثوري. وقيل: ربع دينار فصاعدا أو قيمتها من غيرها وهو قول الصحابة وبعض التابعين وهو قول الأوزاعي والليث والشافعي وأبي ثور. وقيل: خمسة دراهم وهو قول أنس وعروة وسليمان بن يسار والزهري. وقيل: أربعة دراهم وهو مروي عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة. وقيل: ثلاث دراهم وهو قول ابن عمر وبه قال مالك وإسحاق وأحمد إلا أن كان ذهبا فلا يقطع إلا في ربع دينار. وقيل: درهم فما فوقه وبه قال عثمان الليثي وقطع عبد الله ابن الزبير في درهم. وللسرقة التي تقطع فيها اليد شروط ذكرت في الفقه. وقرأ الجمهور " والسارق والسارقة " بالرفع على الابتداء، والخبر محذوف، والتقدير فيما يتلى عليكم أو فيما فرض عليكم السارق والسارقة أي حكمهما، ولا يجيز سيبويه أن يكون الخبر قوله: { فاقطعوا } ، لأن الفاء لا تدخل إلا في خبر المبتدأ موصول بظرف أو مجرور أو جملة صالحة لأداة الشرط الموصول هنا أل وصلتها اسم فاعل أو إسم مفعول وما كان هكذا لا تدخل الفاء في خبره عند سيبويه وقد أجاز ذلك جماعة من البصريين أعني أن يكون والسارق والسارقة مبتدأ والخبر جملة الأمر. اجروا أل وصلتها مجرى الموصول المذكور لأن المعنى فيه على العموم إذ معناه الذي سرق والتي سرقت. وقد تجاسر الفخر الرازي وأساء الأدب على سيبويه وتكلمنا معه بما يوقف عليه في البحر الملخص منه هذا الكتاب. وقرىء شاذا والسارق والسارقة بالنصب على الاشتغال أي اقطعوا السارق والسارقة، كما تقول: زيدا فاضربه أي اضرب زيدا فاضربه. وللزمخشري في هذه القراءة كلام غريب فهمه عن تحرير كلام سيبويه ورددناه عليه في البحر. والمخاطب بقوله: فاقطعوا، هو في تولي أمور المسلمين ممن يكون له إقامة الحدود عليهم. والظاهر من قوله: أيديهما، أنه يقطع من السارق يداه الثنتان لكن الإجماع على خلاف هذا الظاهر، وإنما يقطع من السارق يمناه ومن السارقة يمناها.

قال الزمخشري: أيديهما يديهما ونحوه فقد صغت قلوبكما النفي بتثنية المضاف إليه عن تثنية المضاف، وأريد باليدين اليمينان بدليل قراءة عبد الله: والسارقون والسارقات فاقطعوا أيمانهم. " انتهى ".

وسوى الزمخشري بين أيديهما وقلوبكما وليسا بشيئين لأن باب صغت قلوبكما يطرد فيه وضع الجمع موضع التثنية وهو ما كان اثنين من شيئين كالقلب والأنف والوجه والظهر، وأما إن كان في كل شيء منهما اثنان كاليدين والأذنين والفخذين فإن وضع الجمع موضع التثنية لا يطرد وإنما يحفظ ولا يقاس عليه. ولم تتعرض الآية في قطع الرجل في السرقة، وفي ذلك خلاف، ذكر في مسائل الخلاف وظاهر قطع اليد أنه يكون من المنكب وهو مذهب الخوارج. ومذهب الجمهور أنه من الرسغ وفي الرجل من المفصل. وروى عن علي أنه في اليد من الأصابع وفي الرجل من نصف القدم وهو معقد الشراك. والظاهر أن المترتب على السرقة هو قطع اليد فقط فإن كان المال قائما بعينه أخذه صاحبه وإن كان السارق استهلكه فلا ضمان عليه، وبه قال مكحول وجماعة من التابعين. وقال الشافعي وأحمد وإسحاق: يضمن ويغرم. وقال مالك: إن كان موسرا ضمن أو معسرا فلا شيء عليه.

{ جزآء بما كسبا نكالا من الله } الآية، قال الكسائي انتصب جزاء على الحال وقال قطرب على المصدر أي جزاء وهما جزاء. وقال الجمهور على المفعول من أجله وبما يتعلق بجزاء وما موصولة أي بالذي كسباه، ويحتمل أن تكون ما مصدرية أي جزاء بكسبهما وانتصاب نكالا على المصدر أو على أنه مفعول من أجله والنكال: العذاب. والنكل: القيد. وتقدم الكلام عليه عند فجعلناها نكالا. وقال الزمخشري: جزاء ونكالا مفعول لهما. " انتهى ".

وتبع في ذلك الزجاج وقال الزجاج هو مفعول من أجله يعني جزاء، قال وكذلك نكالا من الله. " انتهى ". وهذا ليس بجيد إلا إذا كان الجزاء هو النكال فيكون ذلك على طريق البدل واما إذا كانا متباينين فلا يجوز أن يكونا مفعولين لهما إلا بواسطة حرف العطف.

{ والله عزيز حكيم } عزيز في انتقامه من السارق وغيره من أهل المعصية، حكيم في فرائضه وحدوده. وروي أن بعض الأعراب سمع قارئا يقرأ هذه الآية، وختمها بقوله: { الله غفور رحيم } ، فقال: ما هذا كلام فصيح. فقيل له: ليست التلاوة كذلك وإنما هي: والله عزيز حكيم. فقال: بخ بخ عز فحكم فقطع.

{ فمن تاب } هذا عام في كل تائب من جراءته وسرقة وغيرهما، وقوله: ظلمه، هو مصدر مضاف للفاعل أي من بعد أن ظلم غيره أو نفسه بالمعصية. وقوله: وأصلح عطف على تاب فلم يقتصر على توبته وإصلاحه هو تنصله من التبعات، ومعنى يتوب عليه، أي يتجاوز عنه. { ألم تعلم } خطاب للسامع، وهو تقرير معناه الإثبات أي قد علمت وقدم يعذب هنا على يغفر لأنه تقدم ما يصنع بالمحارب من العذاب وبالسارق من القطع فذكر التعذيب أولا أردع له وأطلق التعذيب فجاز أن يراد به التعذيب في الدنيا أو في الآخرة أو كليهما. ومفعول يشاء محذوف تقديره من يشاء تعذيبه وكذلك قوله: ويغفر لمن يشاء. أي يشاء غفران ذنبه.

[5.41-43]

{ يأيها الرسول } الآية، سبب نزولها أن يهوديا زنا بيهودية فرفع أمرهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحكم عليهما بالرجم فأنكر اليهود ذلك وزعموا أن التوراة ليس فيها الرجم فأتي بها فوجد فيها الرجم فافتضحوا.

Shafi da ba'a sani ba