{ فإن كن نسآء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك } ظاهر هذا التقسيم إن ما زاد على الثنتين من الأولاد يرثن الثلثين مما ترك مورثهما. وظاهر السياق انحصار الوارث فيهن. ولما كان لفظ الأولاد يشمل الذكور والإناث وقصد هنا بيان حكم الإناث أخلص الضمير للتأنيث إذ الإناث أحد قسمي ما ينطلق عليه الأولاد فعاد الضمير على أحد القسمين. والضمير في كن ضمير الإناث كما قلنا أي، فإن كان الوارثات نساء حسن كونه خبر الوصف بقوله بفوق اثنتين.
وأجاز الزمخشري أن يكون نساء خبرا وفوق خبرا ثانيا لكان، وليس بشيء لأن الخبر لا بد أن تستقل به فائدة الإسناد ولو سكت على قوله: فإن كن نساء لكان نظير إن كان الزيدون رجالا وهذا ليس بكلام.
وقال بعض البصريين: التقدير وإن كان المتروكات نساء فوق اثنتين وقدره الزمخشري البنات أو المولودات.
وقال الزمخشري: فإن قلت: هل يصح أن يكون الضمير إن في كن وكانت مبهمين ويكون نساء وواحدة تفسيرا لهما على ان كان تامة؟ قلت: لا أبعد ذلك. " انتهى ".
ويعني بالابهام أنهما لا يعودان على مفسر متقدم بل يكون مفسرهما هو المنصوب بعدهما وهذا الذي لم يبعده الزمخشري هو بعيد أو ممنوع البتة لأن كان ليست من الأفعال التي يكون فاعلها مضمرا يفسره ما بعده بل هذا مختص من الأفعال بنعم وبئس. وما حمل عليهما وفي باب التنازع على ما قرر في النحو. ومعنى فوق أكثر من اثنتين بالغات ما بلغن من العدد فليس لهن إلا الثلثان ومن زعم أن معنى قوله: نساء فوق اثنتين اثنتين فما فوقهما وإن قوة الكلام تقتضي ذلك كابن عطية أو ان فوق زائدة مستدلا بأن فوق قد زيدت في قوله:
فاضربوا فوق الأعناق
[الأنفال: 12]، فلا يحتاج في رد ما زعم إلى حجة لوضوح فساده وذكروا أن سهم البنتين في الميراث الثلثان كالبنات قالوا: ولم يخالف في ذلك إلا ابن عباس فإنه يرى لهما النصف إذا انفردا كحالهما إذا اجتمعا مع الذكر وورد في الحديث في قصة أوس بن ثابت، ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى البنتين الثلثين.
{ وإن كانت واحدة فلها النصف } أي وكانت الوارثة واحدة. قرىء بضم التاء على أن كان تامة وبنصبها على الخبر. وقرىء النصف بضم النون وكسرها.
{ ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد } لما ذكر الفروع ومقدار ما يرثون أخذ في ذكر الأصول ومقدار ما يرثون فذكر أن الميت يرث منه أبواه كل واحد السدس إن كان للميت ولد أبواه هما أبوه وأمه. وغلب لفظ الأب في التثنية كما قيل: القمران، فغلب القمر لتذكيره على الشمس وهي تثنية لا تنقاس. وشمل قوله: وله ولد الذكر والأنثى والواحد والجماعة وظاهر الآية ان فرض الأب السدس إذا كان للميت ولد أي ولد كان وباقي المال للولد ذكرا كان أو أنثى والحكم عند الجمهور أنه لو كان الولد ابنه أخذ السدس فرضا والباقي تعصيبا وتعلقت الروافض بظاهر لفظ ولد فقالوا السدس لكل واحد من أبويه والباقي للبنت أو الابن إذ الولد يقع على الذكر والأنثى. والضمير في لأبويه عائد على ما عاد عليه الضمير في ترك وهو ضمير الميت الدال عليه معنى الكلام وسياقه ولكل واحد منهما بدل من أبويه، ويفيد معنى التفصيل وتبيين أن السدس لكل واحد منهما إذ لولا هذا البدل لكان الظاهر اشتراكهما في السدس وهو أبلغ وآكد من قولك: لكل واحد من أبويه السدس إذ تكرر ذكرهما مرتين مرة بالإظهار ومرة بالضمير العائد عليهما. وقال الزمخشري: والسدس مبتدأ وخبره لأبويه والبدل متوسط بينهما. " انتهى ". وفي قول الزمخشري: والسدس مبتدأ وخبره لأبويه نظرا لأن البدل هو الذي يكون الخبر له دون المبدل منه كما مثلناه في قولك: أبواك كل واحد منهما يصنع كذا إذا أعربنا كلا بدلا. وكما تقول: إن زيدا عينه حسنة، فكذلك ينبغي أن يكون إذا وقع البدل خبرا فلا يكون المبدل منه هو الخبر، واستغنى عن جعل المبدل منه خبرا بالبدل كما استغنى عن الاخبار عن اسم ان وهو المبدل منه بالاخبار عن البدل ولو كان التركيب ولأبويه السدسان لا وهم التنصيف أو الترجيح في المقدار بين الأبوين، فكان هذا التركيب القرآني في غاية النصية والفصاحة وظاهر قوله: ولأبويه انهما اللذان ولد الميت قريبا لاجداه ولا من علا من الأجداد وزعموا إن قوله: في أولادكم، يتناول من سفل من الأبناء، قالوا: لأن الأبوين لفظ مثنى لا يحتمل العموم ولا الجمع بخلاف قوله: في أولادكم، وفيما قالوه نظروهما عندي سواء في الدلالة ان نظر الى حمل اللفظ على حقيقته فلا يتناول إلا الأبناء الذين ولدهم الأبوان قريبا لا من سفل كالأبوين لا يتناول إلا من ولداه قريبا لا من علا أو إلى حمل اللفظ على مجازه فيشترك اللفظان في ذلك فينطلق الأبوان على من ولداه قريبا.
ومن علا كما ينطلق الأولاد على من ولداهم قريبا ومن سفل وتبيين جملة على الحقيقة في الموضعين أن إبن الابن لا يرث مع الابن وأن الجدة لا يفرض لها الثلث بإجماع فلم يتنزل ابن الابن منزلة ابن مع وجوده ولا الجدة منزلة الأم.
Shafi da ba'a sani ba