ولكِن ازْدَادتْ بعدَ خُرُوجِهِم إلى مِصْرَ سنة (٣٦٢)، وكانَ أَهمُ مَقْصَدٍ لَهُم في الرِّحلةِ إلى القِيْرَوانِ التَّتَلمُذُ على إمَامِ العُلَمَاءِ، وفِقِيه الفُقَهاءِ، وعَالِمِ أَهْلِ المَغْرِب أَبي مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللهِ بنِ أَبي زَيْدٍ القَيْرَواني (ت ٣٨٦)، الذي كانَ يُقَالُ لَهُ: مالكٌ الصَّغِيرُ، وكانَ له الفَضْلُ في تَلْخِيصِ المَذْهَبِ وجَمْعِ أَطْرَافهِ، وصَنَّفَ مُصَنَّفَاتٍ كَثيرةً، وقد ارْتَحَلَ أبو المُطَرِّفِ إلى القِيْرَوانِ وسَمِعَ فيها مِنْ هذا الإمَامِ الجَلِيلِ، ولاَزَمهُ، ونَقَلَ عنهُ كثيرا مِنْ أَقْوالهِ وَآرائهِ الفِقْهيَّةِ والحَدِيثيِّة، وحَمَلَ عنهُ مُصَنَّفاتهِ ومَرْوِياتهِ.
كَمَا سَمِعَ بالقيروانِ (المُدَوَّنةَ) عَلَى هِبةِ اللهِ بنِ أَبي عُقْبَةَ التَّمِيمِيِّ، وَهُو مِمَّنْ سَمِعَها مِنْ جَبَلَةَ بنِ حَمُّودٍ، عَنْ مُصَنَفَها الإمامِ سَحْنُونَ بنِ سَعِيدٍ.
ولاَ يْبْعُدُ أَنْ يَكُونَ أَبو المُطَرِّفِ لَقِيَ عَالِمَ المَغْرِبِ، وفَقِيهَ القَيْرَوَانِ ومُحَدِّثِها الإمامَ العَلاَّمَةَ المُقْرِئ المُتْقِنَ أبا الحَسَنِ عَلِيَّ بنَ مُحَمَّدِ القَابِسيَّ (ت ٤٠٣)، إمامِ العَصْرِ، وصَاحِبَ (الملخَّص) لموطأ ابنِ القاسمِ وغَيْرِها من المؤلَّفاتِ، فإنَّهُ كَان مَقْصَدَ الطلَبةِ، ووجهةَ العُلَماءِ، ولكنِّي لَمْ أَعثرْ على أَحَدٍ أَشَارَ إلى تَتَلْمُذِ أبي المُطَرِّفِ على هذا الإمامِ الجَلِيلِ.
ثُمَّ رَحَلَ إلى المَشْرِقِ، فَوَصلَ مِصْرَ، وكَانَتْ تأتي في الدَّرجةِ الثانيةِ بعدَ القَيْرَوانِ، لأَنَّهَا مَمَرُّ للحَاجِّ إلى مَكَّةَ، ولأَنَّ فِيها كَثيرًا من العُلَماءِ كَمَا ذَكَرنا آنفًا، وقَدْ سَمِعَ أبو المُطَرِّفِ مِنْ إمامِ مِصْرَ ومُحَدِّثها ومُسْنِدِهَا أبي مُحَمَّدٍ الحَسَنِ بنِ رَشِيقٍ، وَهُو الذي رَوَى عَنْ سَبعْمَائةِ مُحَدِّثٍ (١)، ولِذا لاَزمهُ أبو المُطَرِّفِ، وأكثرَ مِنَ الرِّوايةِ عنهُ، وحَمَلَ عنهُ عِلْمًَا كَثيِرًا، وتَمَلَّكَ حَقَّ رِوَايةِ كُتُبٍ مُنَوَّعةٍ، مِنْها:
_________
= في العذاب من عالم وعابد ليردهم عن الترضي عن الصحابة، فاختاروا الموت) ينظر: ترتيب المدارك ٥/ ٣٠٣، والسير ١٥/ ١٤١، وكتاب (مدرسة الحديث في القيروان) للدكتور الحسين بن محمد شواط ١/ ٦٩ - ٨٢.
(١) نقل ذلك ابن بشكوال في الصلة ٢/ ٣٢٣ عن أبي المُطَرِّفِ.
1 / 33