المَشْرِقِ، وكَانَتْ رِحْلَتَهُ سنة (٣٦٧)، وبَقِيَ فيها أَرْبعَ سِنِينَ، ثم قَفَلَ رَاجِعًَا إلى قُرْطُبةَ سنةَ (٣٧١)، ولَمْ تُحَدِّدِ المصَادِرُ بِدَايةَ هذه الرِّحْلَةِ، كَمَا لَمْ تُبَيِّنُ مُدَّةَ إقَامَتِهِ فِي كُلِّ بَلَدٍ تَوَقَّفَ فِيهِ، ولَكِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَحِلْ دُونَ مُحَاوَلةٍ لِتَرْتيبِ الرِّحْلَةِ وسَيْرِهَا، وذَلِكَ عَلَى ضَوْءِ مَا تَجْمَّعَتْ عِنْدِي مِنْ مَعْلُومَاتٍ.
فقدْ كَانَت الرِّحْلةُ عندَ الأَنْدَلُسِييْنَ تَبْدأُ بالقَيْرَوانِ، وذَلِكَ بِسببِ ازْدِهَارِ الحَيَاةِ العِلْميّهِ بِها، (حتَّى إنَّهُ يَنْدُرُ أنْ يَخْرُجَ أَنْدَلُسِيٌّ للحَجِّ أو للطَلَبِ ولاَ يَمُرُّ بِعَاصِمةِ إفْرِيقِيّةَ للتَزَوُّدِ مِنْ عُلَمَائِهَا، ومِمَّا سَاعَدَ على ذَلِكَ وِحْدَةُ المَذْهَبِ الفِقْهِي بِيْنَهُما، فإنَّ المَذْهَبَ المَالِكِيَّ كاَنَ دِعَامةُ الحياةِ العِلْمِيَّةِ في إفْرِيقيَّةِ والأَنْدَلُسِ، كمَا أَنَّ وُجُودَ القَيْرَوانَ فِي طِرِيقِ حَجِّ الأَنْدَلُسيِيْنِ ورِحْلَتُهُم كَانَ مِمَّا هَيَّأ لَهُم سَبِيلَ المُرُورِ عَلَيها والإسْتِفَادةَ مِنْ عُلَمَائِها) (١).
ثُمَّ تَكُونُ وِجْهَةُ المُرْتَحَلِينَ بعدَ ذَلِكَ إلى المشرقِ، قَاصِدِينَ مِصْرَ، التي كانتْ تَعُجُّ بِكِبارِ العُلَماءِ مِنَ المُحَدِّثينِ والفُقَهاءِ والمُقْرئينَ واللُّغَويينَ وغَيْرِهم، ومنهَا يَكُونُ التَّوجُّه إلى مَكَّةَ للحَجِّ ولِقَاءِ العُلَمَاءِ، ثُمَّ زِيارةُ المَدِينةِ للسَّلاَمِ على النبيِّ ﷺ وصَاحِبَيْهِ ﵄، والإجتماعِ بِعُلَمَائِها، ثُمَّ الإيابُ إلى مِصْرَ، ومِنْها إلى القَيْرَوانِ، ثُمَّ الأَنْدَلُسِ.
وقَدْ ضَعُفتْ رِحْلَةُ الأَنْدَلُسيينَ إلى القَيْرَوانِ في أثناءِ حُكْمِ العُبَيْدِيينَ (٢)،
_________
(١) من كتاب (مدرسة الحديث في القيروان من الفتح الإسلامي إلى منتصف القرن الخامس الهجري)، للدكتور الحسين بن محمد شواط ١/ ٢١٩، وقد ذكر عددا من علماء الأندلس ممن ارتحل إلى القيروان.
(٢) العبيديُّون هم الروافض الإسماعيلية الباطنيِّة الذين أقاموا دولتهم في بلاد المغرب على يد عبيد الله المهدي الفاطمي، وذلك سنة (٢٩٦)، واستمرت إلى سنة (٤٦٢)، وهي نِحْلةٌ مارقةٌ، عطَّلت الشريعة، وأسقطت الفرائض، وأباحت المحرمات، وادَّعت أنَّ للقُرآنِ ظَاهِرا وباطنا، وأظهروا لسَبَّ الصحابة - رضوان الله عليهم -، وزعموا أنهم ارتدوا بعد وفاة النبي ﷺ، وقد ذاق علماء أهل السنة وخصوصا أهل القيروان صنوفا من العذاب على أيدي العبيديين طيلةَ مقامهم في بلاد المغرب، وأُعدم بعضهم، قال الإِمام أبو الحسن القابسي: (إن الذين قتلهم عبيد الله وبنوه أربعة آلاف في دار النحر =
1 / 32