ومن هذا المنطلق حرص سلف الأمة على هذا الفضل العظيم، فتفرَّق الصحابة ﵃ في الأمصار يبلِّغون ما سمعوه، وينشرون العلم بين الناس، «وكان الخلفاء يُمِدُّون البلاد الجديدة بالعلماء، وقد استوطن كثير من الصحابة رضوان الله عليهم تلك الأمصار، يرشدون أهلها، ويعلِّمون أبناءها، وقد دخل الناس في دين الله أفواجًا، والْتَفُّوا حول أصحاب الرسول ﷺ، ينهلون من الينابيع التي أخذت عن الرسول الكريم ﵊، وتخرَّج في حلقاتهم التابعون الذين حملوا لواء العلم بعدهم، وحفظوا السنَّة الشريفة. وهكذا أصبحت في الأقاليم والأمصار الإسلامية مراكز علمية عظيمة، تُشِعُّ منها أنوار الإسلام وعلومه، إلى جانب مراكز الإشعاع الأولى التي أمدَّت هذه الأقطار بالأساتذة الأُوَل» (^١).
فمدينة الرسول ﷺ هي موطن الخلافة الأولى، وكان فيها من الصحابة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وأبو هريرة وعائشة وعبد الله بن عمر وأبو سعيد الخدري وزيد بن ثابت وغيرهم ﵃، فنشروا علمًا غزيرًا. وفي مدرسة المدينة النبوية هذه تخرَّج خلق من
_________
= الصحابة طرق عنه، وهو باللفظ الأول هنا من حديث زيد بن ثابت ﵁ عند أبي داود في سننه (٤/ ٦٨ - ٦٩ رقم ٣٦٦٠) في العلم، باب فضل نشر العلم، والترمذي في جامعه (٧/ ٤١٥ - ٤١٧ رقم ٢٧٩٤) في العلم، باب في الحث على تبليغ السماع، والنسائي في سننه الكبرى (٣/ ٤٣١ رقم ٥٨٤٧) في العلم، باب الحث على إبلاغ العلم.
وأما اللفظ الثاني فهو من حديث عبد الله بن مسعود ﵁ عند الترمذي في الموضع السابق (٧/ ٤١٧ رقم ٢٧٩٥)، وابن ماجه في سننه (١/ ٨٥ رقم ٢٣٢) في المقدمة، باب من بلّغ علمًا.
قال الترمذي في الموضع الأول: (حديث زيد بن ثابت حديث حسن)، وقال في الموضع الثاني: (هذا حديث حسن صحيح).
(^١) السنة قبل التدوين لمحمد عجّاج الخطيب (ص ١٦٤).
المقدمة / 3