84

Tafsir Ayoyin Hukunci

تفسير آيات الأحكام

Nau'ikan

خاتمة البحث:

حكمة التشريع

جاءت الشريعة الإسلامية الغراء محققة لمصالح الناس، متمشية مع تطور الزمن، صالحة لكل زمان ومكان.. وكان من رحمة الله تبارك وتعالى بعباده أن سن لهم " سنة التدرج " في الأحكام، لتبقى النفوس على أتم الاستعداد لتقبل تلك التكاليف الشرعية، فلا تشعر بملل أو ضجر، ولا تحس بمشقة أو شدة.. ولتظل الشريعة الغراء - كما أرادها الله - شريعة سمحة، سهلة لا عسر فيها ولا تعقيد، ولا شطط فيها ولا إرهاق.

ومن المعلوم: أن الأحكام ما شرعت إلا لمصلحة الناس، وهذه المصلحة تختلف باختلاف الزمان والمكان، فإذا شرع حكم في وقت من الأوقات كانت الحاجة ملحة إليه، ثم زالت تلك الحاجة، فمن الحكمة نسخه وتبديله بحكم يوافق الوقت الآخر، فيكون هذا التبديل والتغيير أقرب للمصلحة، وأنفع للعباد.

. وما مثل ذلك إلا كمثل الطبيب الذي يغير الأغذية والأدوية للمريض، باختلاف الأمزجة، والقابلية، والاستعداد.

والأنبياء صلوات الله عليهم هم (أطباء القلوب) ومصلحو النفوس، لذلك جاءت شرائعهم مختلفة، تبعا لاختلاف الأزمنة والأمكنة، وجاءت بسنة " التدرج " في الأحكام، لأنها بمثابة الأدوية والعقاقير للأبدان، فما يكون منها في وقت مصلحة، قد يكون في وقت آخر مفسدة، وما يصلح لأمة لا يصلح لأخرى، ذلك حكم العليم الحكيم.

جاء في تفسير " محاسن التأويل " ما نصه: " إن الخالق تبارك وتعالى ربى الأمة العربية، في ثلاث وعشرين سنة تربية تدريجية، لا تتم لغيرها - بواسطة الفواعل الاجتماعية - إلا في قرون عديدة.. لذلك كانت عليها الأحكام على حسب قابليتها، ومتى ارتقت قابليتها بدل الله لها ذلك الحكم بغيره، وهذه سنة الخالق في الأفراد، والأمم، على حد سواء.

فإنك لو نظرت: في الكائنات الحية، لرأيت أن النسخ ناموس طبيعي محسوس، في الأمور المادية والأدبية معا، فإن انتقال الخلية الإنسانية إلى جنين، ثم إلى طفل، فيافع، فشاب، فكهل، فشيخ، وما يتبع كل دور من هذه الأدوار يريك بأجلى دليل، أن التبدل في الكائنات ناموس طبيعي محقق.

وإذا كان هذا النسخ: ليس بمستنكر في الكائنات، فكيف يستنكر نسخ حكم وإبداله بحكم آخر في الأمة، وهي في حالة نمو وتدرج من أدنى إلى أرقى؟

هل يرى إنسان له مسكة من عقل، أن من الحكمة تكليف العرب - وهم في مبدأ أمرهم - بما يلزم أن يتصفوا به وهم في نهاية الرقي الإنساني، وغاية الكمال البشري؟!

Shafi da ba'a sani ba