ولا بحاضِرٍ، ولما طالت العُهود صار النَّاس يَحتَاجونَ إلَى الرِّسالَة، فأوحينا إليك بما جرى، وأرسلناك إلى النَّاس.
قوله تعالى: ﴿وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا﴾ أي: مُقيمًا.
وقَولُه ﵎: ﴿فِي أَهْلِ مَدْيَنَ﴾ المراد بأهل مَدْيَنَ القومُ الذين أتى إلَيْهِم موسَى ﵊، وجرى معه ما ذُكر مِن استئجاره وتزويجه، وسَيْرِه بأهله، وَلَم يَكن الرَّسول ﷺ مُقيمًا في أهل مَدْيَن حتى يُخْبِرَ عما حصل منه، وإنما جَاءَ به عَن طَريق الوحي.
وقوله تعالى: ﴿فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا﴾ خبرٌ ثانٍ، والخبر الأول جملة ﴿تَتْلُو عَلَيْهِمْ﴾ يعني: وَمَا كنتَ تتلو عليهم آياتنا فتعرف قصتهم فتُخبر بها، وَالضَّمير في قَوْلِهِ: ﴿عَلَيْهِمْ﴾ ظاهر كلام المُفَسِّر ﵀، وَهُوَ أَيضًا ظاهر سياق الآية أنَّه يَعود إلَى أهل مَدْيَنَ، ﴿تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا﴾ فتعرف قصتهم، وتخبر بها.
وَقَالَ بَعضُ المفَسِّرينَ: إنَّ الضَّمير يَعُود عَلَى قريش، أي: مَا كنت ثاويًا في أَهل مَدْيَن، فتتلو عليهم القصةَ التي قصصتها بآياتنا.
وهذا أَقرَبُ إلَى المعنى، وإن كان الأولُ أَقرَبَ إلَى اللفظ؛ لأن الضَّمير يَعود عَلَى أقربِ مَذْكُور، لَكنَّه لَا يَعُود عَلَى أَهل مَدْيَنَ إلا بِتَعَسُّف شديد، فالصَّواب أنه يَعود عَلَى قرَيش، يعني: مَا كنت ثاويًا في أَهْل مَدْيَنَ فتتلُو عليهم القصة التي جاءت في آياتنا.
إذن: فأنت رسولٌ؛ لأنك أتيتَ بما لَم يمن شاهدًا فيه، وَلهَذَا قَالَ: ﴿وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ﴾ لك وإليك بأخبار المتقدمين، ﴿وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ﴾: