دليلًا واضحًا عَلَى أَنَّ كلَّ صِفة كمال، فَاللَّهُ تعالى لَهُ منهَا أعلاها، قَالَ اللَّهُ تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى﴾ [النحل: ٦٠]، فكلُّ صِفة كمالِ مُطْلَق فلله تعالى منها أَكْمَلُها، كَمَا قَالَ تعالى: ﴿رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ﴾.
فهناك مَن عَلِمَ مَن جَاءَ بالهدى مِن عند اللَّه مِنَ المُؤمِنينَ الَّذينَ أُرسل لهم، فعلموا ذلك، اللَّهُ تعالى أَعلَمُ بهم.
قوله تعالى: ﴿بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ﴾ الضَّمير في قَوْلِهِ: ﴿عِنْدِهِ﴾ يعود للرَّب، أي: مِن عند اللَّه، وَإنَّمَا أَشَارَ المُفَسِّر ﵀ إلَى هَذَا، لئلا يُظَنَّ أَنَّه عَائد إلَى ﴿مِنْ﴾ في قَوْلِهِ: ﴿بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى﴾، وَلَا يمكن أَنْ يَعود إلَى ﴿مِنْ﴾؛ لأنَّه يَختَلف المَعنَى.
وقوله تعالى: ﴿بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ﴾ وَلَم يَقُل: أَعلَمُ أَنّي قَد جئت بالهدى مِن عِنْدِه، بَل قَالَ: ﴿بِمَنْ جَاءَ﴾، لئَلَّا يَكونَ مُدَّعيًا، وليبقَى الأمر مَوْكُولًا بالحُكم عَلَيه مِن جهَة العقل.
قَالَ المُفَسِّرُ ﵀: [وَمَنْ عَطْفٌ عَلَى ﴿مَنْ﴾ قَبْلَهَا]، أي: وبِمَن تَكون لَهُ عاقبة الدَّار، فَهُوَ أَعلَمُ بمَن جاءَ بالهُدى مِن عِنْدِه، وهذا سببٌ لِحُكم العاقِبة، و﴿أَعْلَمُ﴾ كذلك بـ ﴿وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ﴾ فَهوَ أَعلَم ﷾ بالمبتدأ والمنتهى.
وقوله تعالى: ﴿بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ﴾ سَمَّى الكتَابَ، أَو الوحيَ هُدًى؛ لأنَّه يهدي، كَمَا قَالَ اللَّهُ ﷾: ﴿الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ﴾ [البقرة: ١٨٥]، وقال: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى﴾ [الصف: ٩]، فالهُدى هُوَ العِلم؛ لأَنَّه هُوَ سبيلُ النجاة.