Tafsir Sadr al-Muta'allihin
تفسير صدر المتألهين
Nau'ikan
في أن ما ذكره هذا القائل ينافي مذهب العارفين القائلين بهذا التوحيد عقلا ولفظا
أما الأول: فلأن من ذهب الى أن الماهيات مجعولة وحاصلة بالجعل، ولا شبهة في أن الماهيات أمور متخالفة المعاني، فتكون الموجودات عنده أمورا متكثرة متخالفة بالحقائق متمايزة بالذوات، إذ موجودية الماهية - على هذا المذهب - عبارة عن صدورها عن الفاعل أو انتسابها إليه، فيكون الوجود معنى مصدريا، والموجود أمرا حقيقيا متعددا حسب تعدد أفراد الماهيات الصادرة عن الفاعل، فأين هذا المذهب من مذهب التوحيد الذي عليه العرفاء.
وقريب من هذا ما ذهب اليه بعض المغترين بلامع السراب الوهمي عن مشرب التوحيد الأتمي، ان الوجود الحقيقي شخص واحد وهو ذات الباري، والموجود كلي له أفراد متعددة هي الموجودات، ونسب هذا المذهب الى أذواق المتألهين وزعم أن هذا هو مقصودهم في وحدة الوجود، وهو فاسد من وجوه:
الأول: إن أفراد الموجودات قد تكون متكثرة متقدمة بعضها على بعض في الوجود مع اتحادها في الماهية النوعية، فإذا كانت الماهية واحدة والوجود واحدا شخصيا، فكيف يتعدد الموجود ويتقدم بعضه على بعض؟!
والثاني: إنه يلزم على هذا القول أن يكون قولنا: وجود زيد ووجود عمرو، بمنزلة قولنا: إله زيد واله عمرو، وهذا لا يتفوه به عاقل.
والثالث: إن نسبة الماهيات الى الباري جل ذكره، إن كانت اتحادية، يلزم كون الواجب تعالى ذا ماهية غير الوجود، بل ذا ماهيات متعددة، وقد ثبت أنه صرف الإنية، وإن كانت نسبتها إليه تعالى تعلقية ارتباطية وتعلق الشيء بالشيء فرع على وجودهما وتحققهما، فيلزم أن يكون لكل من الماهيات وجود خاص متقدم على انتسابها إليه تعالى وتعلقها به، إذ لا شبهة في أن معانيها غير معنى التعلق بغيرها، فإنا كثيرا ما نتصور الماهيات ونغفل عن ارتباطها الى الحق، وهذا الكلام لا يجرى في الوجودات، إذ يمكن لأحد أن يدعى ان هوياتها تعلقية، كما سنكشف على من هو أهله.
الرابع: قوله: الوجود واحد والموجود كثير، هوس محض لأنه إذا كان معنى الوجود أمرا نسبيا عنده، فلا فرق بين مذهبه ومذهب من يرى ان الوجود أمر عام مصدري انتزاعي، إلا بأنه سمى المعنى الانتزاعي بالإنتساب الى الجاعل، فالقول بأن الوجود على هذه الطريقة واحد شخصي، والموجود كلي متعدد دون الطريقة الأخرى، تحكم محض.
وأما ان كلمة " لا هو إلا هو " لا يدل على ما قرره في مسألة التوحيد، فذلك بوجهين.
أحدهما: إن غاية ما ذكره، أن شيئا من الماهيات لم يكن ماهية قبل الجعل والتأثير، فبقدرته تعالى صارت الماهيات ماهيات، ولا تقرر لشيء منها إلا بتقريره كما ذكره وأين هذا المعنى من معنى " لا هو إلا هو " إلا أن يرتكب حذف وإضمار وقيل: معناه لا هو بلا جعل وتأثير إلا هو، وهذا أمر لا يحتاج الى مزيد تقرير، إذ لا شبهة لأحد من العقلاء المعتبرين فيه إلا المعتزلة القائلة بثبوت الماهيات بلا جعل، فإن الحكماء سواء ذهبوا الى أن أثر الفاعل هو الماهية، أو ذهبوا الى أنه الموجودية، متفقون على أن الماهية قبل الجعل غير حاصلة، إلا ان إحدى الطائفتين قالت: إن الماهية مجعولة أولا، والوجود تابع لها في الجعل، والأخرى قالت: إن صيرورة الماهية موجودة أثر الجاعل، والماهية تابعة له كما هو المشهور من توابع المشائين.
وما أورده هذا القائل عليهم من أن الوجود أيضا ماهية، فيجب أن لا يكون مجعولا واقعا بتأثير الفاعل، مما علمت حاله من تضاعيف أحوال الوجود وكذا قوله فإن التزموا ذلك وقالوا: الواقع بتأثير الفاعل هو موصوفية الماهية بالوجود، فهي إن لم تكن مفهوما مغايرا لهما امتنع استنادها الى الفاعل، وإن كان مغايرا فلا بد أن يكون له ماهية، فيعود الكلام انتهى.
Shafi da ba'a sani ba