Tafsir Sadr al-Muta'allihin
تفسير صدر المتألهين
Nau'ikan
والجواب: إن الوجود الإمكاني بحسب هويته متقوم بغيره، واجب به، وإذا قطع النظر عن موجده يكون باطلا محضا، ومعنى كونه ضروري الوجود، انه بعدما صدر ذاته عن العلة، لا يفتقر الى وجود زائد عليه في كونه موجودا، بخلاف الماهية، فإنها في حد ذاتها غير موجودة ولو في وقت صدورها عن الفاعل، ومعنى الإمكان في الوجودات، انها بأنفسها متعلقة الذوات بغيرها، وليست الماهيات متعلقة الذوات بغيرها، فإمكانها عبارة عن تساوي نسبتها الى الوجود والعدم، وبالجملة، هذه الشبهة إنما نشأت من الخلط بين معنى الضرورة الأزلية والضرورة الذاتية.
الثالث: إنه إن كان الوجود في الأعيان صفة للماهية وهي قابلة، فهي إما أن تكون موجودة بعد الوجود، فحصل الوجود مستقلا دونها، فلا قابلية ولا صفتية، أو قبله؛ فهي قبل الوجود موجودة؛ أو معه، فالماهية موجودة مع الوجود لا بالوجود، ولها وجود آخر، وأقسام التالي باطلة كلها، فالمقدم كذلك.
والجواب : إنا نختار أن الماهية موجودة معه في الأعيان، وما به المعية نفس الوجود الذي هي به موجودة، فلا يلزم الإحتياج الى وجود آخر، كما ان المعية الزمانية حاصلة بين الحركة والزمان الذي حصلت فيه بنفس ذلك الزمان بلا زمان آخر، حتى يكون للزمان زمان آخر على أن الحق ان اتصاف الماهية بالوجود أمر عقلي، كاتصاف الموضوع بما يقوم به فلا قابلية في الحقيقة ولا اتصاف، بل ما في الواقع أمر واحد بلا تقدم بينها ولا معية بالمعنى المذكور، وتفصيل هذا الكلام مما يطلب في مقامه.
الرابع: إن الوجود لو كان في الأعيان، لكان قائما بالماهية، فقيامه إما بالماهية الموجودة، فيلزم وجودها قبل وجودها، أو بالمعدومة، فيلزم اجتماع النقيضين، أو بالماهية المجردة عن الوجود والعدم، فيلزم ارتفاع النقيضين.
والجواب: إنه إن أريد بالماهية الموجودة ما هي موجودة بحسب نفس الأمر، وبالمعدومة ما يقابلها، فنختار ان الوجود قائم بالماهية الموجودة بهذا الوجود، لا بوجود سابق عليه، كما ان البياض قائم بالجسم الأبيض بهذا البياض القائم به لا ببياض آخر، وإن أريد بالموجودة ما يكون الوجود مأخوذا في مرتبة الماهية من حيث هي، فنختار انه قائم بالماهية من حيث هي هي، بلا اعتبار شيء من الوجود والعدم، وهذا ليس بارتفاع النقيضين عن الواقع، بل عن تلك المرتبة. إذ الواقع أوسع من تلك المرتبة.
ولهذا الكلام زيادة تحقيق مذكور في حواشي التجريد، إذ الإشكال مشترك الورود، سواء كان الوجود حقيقيا أو انتزاعيا، ولهذا حكموا بأن لا اتصاف للماهية بالوجود، ولا قيام له بها في الخارج ولا في العقل، إذ لا بد في اتصاف شيء بشيء من المغايرة بينهما في ظرف الاتصاف، وإن لم يكن ثبوت الثابت فرع ثبوت المثبت له، وليس بين الماهية والوجود مغايرة، إلا ان للعقل أن يأخذ الماهية ويعتبرها وحدها مجردة عن جميع أنحاء الوجود، حتى عن هذا التجريد الذي هو أيضا نحو من أنحاء الوجود، فيصفها بالوجود، ففي هذا الظرف العقلي هي موصوفة بالوجود ومخلوطة به أيضا، رعاية لجانبي الخلط والتعرية على أنا نحن في متسع من هذا البحث إذ الموجود عندنا في الأعيان هو الوجود دون الماهية إلا بالعرض، وهي أمر انتزاعي متحدة بالوجود وليست متصفة به.
والخامس: إن الوجود لو كان حاصلا في الأعيان وليس بجوهر، فيكون هيئة قائمة بجوهر، فيكون كيفا لأنه هيئة قارة لا يوجب قسمة ولا نسبة الى امر خارج، وقد حكموا ان المحل متقدم على العرض، فيتقدم الموجود على الوجود، فيلزم تقدم الوجود. وأيضا يلزم أن لا يكون الوجود أعم الأشياء مطلقا، بل الكيفية والعرضية أعم منه من وجه. وأيضا إذا كان عرضا فهو قائم بالمحل، ومعنى أنه قائم بالمحل، أنه موجود فيه، مفتقر في تحققه إليه، ولا شك ان المحل موجود بالوجود، فدار القيام وهو محال.
والجواب: انهم حيث أخذوا في عنوانات المقولات كونها ماهيات كلية حق وجودها العيني كذا وكذا، فسقط كون الوجود في ذاته جوهرا أو كيفا أو غيرها، لعدم كونه كليا، بل الوجودات - كما سبق - هويات عينية متشخصة بأنفسها غير مندرجة تحت مفهوم ذاتي، فليس الوجود جوهرا في ذاته، ولا عرضا بمعنى كونه قائما بالماهية، وعلى تقدير كونه عرضا، لا يلزم كونه كيفية، لعدم كليته وعمومه، وما هو من الأعراض العامة والمفهومات الشاملة للموجودات، إنما هو الوجود الانتزاعي العقلي، ولمخالفته أيضا سائر الأعراض بأن وجودها في نفسها عين وجودها لموضوعاتها، ووجود الوجود عين وجود الماهية الموضوعة لها، لا وجود غيرها، ظهر عدم افتقاره في تحققه الى الموضوع، فلا يلزم الدور المذكور.
على أن المختار عندنا ان وجود الجوهر جوهر بجوهرية ذلك الجوهر، لا بجوهرية أخرى، وكذا وجود العرض، عرض بعرضية ذلك العرض لا بعرضية أخرى.
الفصل الثالث
Shafi da ba'a sani ba