110

Tafsir Sadr al-Muta'allihin

تفسير صدر المتألهين

Nau'ikan

الأمس: والبحث عنه يسمى بمعرفة المبدء واليوم الحاضر: والبحث عنه يسمى بالوسيط والغد : والبحث عنه يسمى بعلم المعاد. والقرآن مشتمل على رعاية هذه المراتب وتعليم هذه المعارف الثلاثة التي كمال النفس الإنسانية منوط بمعرفتها، ونفس الأعمال البدنية إنما تراد لأجلها، لأن غايتها تصفية مرآة القلب عن الغواشي البدنية، والظلمات الدنيوية، لأن يستعد لحصول هذه الأنوار العقلية، وإلا فنفس هذه الأعمال الحسنة ليس إلا من باب الحركات والمتاعب، ونفس التصفية المترتبة عليها ليست إلا أمرا عدميا لو لم يكن معها استنارة صفحة القلب بأنوار الهداية، وتصورها بصورة المطالب الحقة الإلهية، والقرآن متضمن لها وهي العمدة الوثقى فيه لما ذكرنا.

ولما كانت هذه السورة مع وجازتها متضمنة لمعظم ما في الكتب الإلهية من المسائل الحقة، والمقاصد اليقينية المتعلقة بتكميل الإنسان، وسياقته إلى جوار الرحمن، فلا بد أن يتحقق فيها جميع ما يحتاج اليه الإنسان منها، فنقول هي هكذا.

أما اشتمالها على علم المبدء، فقوله تعالى: { الحمد لله رب العالمين } ، إشارة الى العلم بوجود الحق الأول، وأنه مبدأ سلسلة الموجودات، وموجد كل العوالم والمخلوقات.

وقوله: { الرحمن الرحيم } إشارة إلى العلم بصفاته الجلالية وأسمائه الحسنى.

وقوله: { مالك يوم الدين } هو إثبات كونه سببا غائيا للمخلوقات كلها، كما انه سبب فاعلي لها جميعا، ليدل على أن فاعليته على غاية الحكمة والتمام، ورعاية المصلحة للأنام.

وأما اشتمالها على علم الوسط فلأن قوله: { اياك نعبد واياك نستعين } ، إشارة الى الأعمال والأحوال التي يجب أن يكون الإنسان عاملا بها ومديما عليها، ما دام كونه في هذه الحياة الدنيا. وهي قسمان: بدنية وقلبية. فالبدني: تهذيب الظاهر عن النجاسة، وتزيينه بالعبادة، كالصلاة والصيام وغيرها.

والقلبي: تهذيب الباطن عن الغشاوات وخبائث الملكات، بإعانة الله وتوفيقه، لتستعد نفسه بذلك لأن تتنور بأنوار المعارف الإلهية، وتستكمل بالحقائق الربانية، ليتقرب بذلك الى الله ويحشر الى دار كرامته كما دل عليه قوله تعالى: { اهدنا الصراط المستقيم } ، أي علمنا طريق الوصول إليك.

وأما اشتمالها على علم المعاد، وهو العلم بأحوال النفس الإنسانية الكاملة في العلم والعمل، المبرأة عن آفة الجهل ونقص العصيان، فقوله: { صراط الذين انعمت عليهم } إلى آخراها ؛ إشارة الى علم النفس، وهي صراط الله العزيز الحميد، وباب الله المؤتى منه الى الحق، فبالنفس الإنسانية العالمة العاملة المهتدية بنور الله، يساق الخلق الى الحق، ويدخل الخلائق كلهم في طريق العود من هذا الباب الى الخالق، فإن الوجود في صورة دائرة انعطف آخرها على أولها، فكما أن الوجود في الابتداء كان أولا العقل، ثم النفس الكلية، ثم الطبيعة الكلية، ثم الأبعاد والأجرام كلها، ففي الإنتهاء كان أولا جمادا، ثم نباتا، ثم حيوانا، ثم إنسانا، وله مراتب باطنية، كان أولا في مقام الطبيعة والنفس الكلية، ثم الطبيعة الكلية، ثم الأبعاد والأجرام كلها، ففي الإنتهاء كان أولا جمادا، ثم نباتا، ثم حيوانا، ثم إنسانا، وله مراتب باطنية، كان أولا في مقام الطبيعة والنفس، ثم في مقام القلب والعقل، ثم في مقام الروح والسر، وإذا بلغ الى هذا المقام، اتصل بغاية الكمال والتمام.

تذييل

ثم إن لهذه الكريمة نكات ووجوها أخرى من التأويل كثيرة، مذكور بعضها في التفاسير المعتبرة لأهل العلم والتحصيل، كالكبير والنيسابوري وغيرهما، اخترت منها وجوها ثلاثة فأردت ايرادها هاهنا تكميلا للكتاب، وتكثيرا للفوائد في هذا الباب.

Shafi da ba'a sani ba