" ما أدري كان تبعا نبيا أو غير نبي "
، وهو الذي كسى البيت، وقيل: لملوك اليمن التبابعة لأنهم يتبعون، وإنما ذكر تبعا لأنهم عرفوا أخباره لانتشاره وقرب زمانه ومكانه منهم، وكان في مكة والمدينة والطائف، وأجرى أنهارا، وأبر نارا، وفتح بلادا { والذين من قبلهم } من الأمم الماضية { أهلكناهم } لما كفروا { إنهم كانوا } قوما { مجرمين } مذنبين { وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين } غائبين، يعني لم يكن الجزاء مع التخلية في الدنيا لكان ذلك عبثا { ما خلقناهما إلا بالحق } قيل: إلا بغرض صحيح وهو أن يطيعوه فيستحقوا الثواب، وقيل: إلا لداعي الحكمة { ولكن أكثرهم لا يعلمون } أن الغرض الذي لأجله خلقنا الانسان { إن يوم الفصل } يوم القيامة وفيه يفصل بين الخلق أمورهم { ميقاتهم أجمعين } يعني وقتهم الذي أمهلهم إليه { يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا } أي لا يدفع صديق عن صديق، ولا ابن عم عن ابن عم، ولا ولي عن وليه من العذاب الذي نزل به { ولا هم ينصرون } أي ولا ينصرهم أحد { إلا من رحم الله } من المؤمنين، أي أنعم عليهم فإنه يشفع، وقيل: لا يشفع أحد إلا من رحم الله وأذن له بالشفاعة { إنه هو العزيز } القادر الذي لا يمتنع عليه شيء { الرحيم } بعباده، قيل: نزل قوله: { إن شجرة الزقوم } { طعام الأثيم } في أبي جهل وكان يقول: ما بين لابتيها أعز وأكرم مني، فيقال له يوم القيامة توبيخا: ذق إنك أنت العزيز الكريم كما زعمت، وروي أن أبا جهل دعا بتمر وزبد وقال: زقموا فإن هذا الذي يخوفكم به محمد { إن شجرة الزقوم } { طعام الأثيم } وهو الفاجر، وهي شجرة تأخذهم بحلوقهم وتحرق أجوافهم { كالمهل } وهو ما أذيب بالنار { يغلي في البطون } { كغلي الحميم } الماء الحار { خذوه } ، يقال: { خذوه فاعتلوه } بشره وعنف وجروه إلى { الجحيم } ، وقيل: ادفعوه { إلى سواء الجحيم } أي وسط النار { ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم } الماء الحار يقال له حميم { ذق إنك أنت العزيز الكريم } الذي دعيت بالعزة والكرم، وقيل: العزيز في قومك الكريم فيهم، وقيل: هو على النقيض كأنه قال: أنت الذليل المهين ، إلا أنه قيل: ذلك على وجه الاستخفاف به { إن هذا ما كنتم به تمترون } أي يقال لهم: إن هذا ما كنتم به تشكون، ثم عطف الوعيد بذكر ما أعد للمتقين فقال سبحانه وتعالى: { إن المتقين } الذي اتقوا معاصي الله { في مقام } في موضع إقامة { أمين } قيل: أمنوا العذاب وأمنوا زوال النعمة { في جنات } بساتين فيها أشجار { وعيون } أنهار جارية { يلبسون من سندس واستبرق } نوعان من الحرير، وقيل: السندس الحرير والاستبرق الديباج الغليظ { متقابلين } أي يقابل بعضهم بعضا { كذلك } قيل: كذلك فعلنا بهم، وقيل: كذلك على تلك الحالة { وزوجناهم بحور عين } وهي النساء النقيات البياض، وقيل: الحور البيض والعين واسعة العين، وقيل: يحتار فيهن الطرف لبياضهن { يدعون فيها بكل فاكهة } اسهرا لها { آمنين } من نفادها، وقيل: آمنين من الموت { لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى } إلا بمعنى سوى، وقيل: بمعنى لكن الموتة الأولى وإنما استثنى لأنهم به أخبر بذلك في الدنيا فيصح الاستثناء فيه عن القاضي { ووقاهم عذاب الجحيم } { فضلا من ربك ذلك هو الفوز العظيم } الظفر العظيم، ومتى قيل: إذا كان مستحقا فكيف يكون فضلا؟ قالوا: سبب الاستحقاق هو التكليف والتمكين وهو تفضل منه، وقيل: لأنه خلق وأنعم فاستحق أن يعبد ويشكر وإذا جازى على الفعل كان فضلا، وقيل: لأنه أعطى المستحق وزاد، أعطى على القليل كثيرا { فإنما يسرناه بلسانك } أي مهلناه، وقيل: جعلناه بالعربية ليسهل عليك { لعلهم يتذكرون } ما فيه من الأمر والنهي والوعد والوعيد { فارتقب إنهم مرتقبون } أي ارتقب للمجازاة وإنهم مرتقبون، وقيل: انتظر بهم عذاب الله فإنهم ينتظرون بك الدوائر.
[45 - سورة الجاثية]
[45.1-10]
{ حم } قد بينا ما قالوا فيه، وأن بعضهم قال: اسم السورة، وبعضهم قال إشارة إلى أن القرآن معجز، وبعضهم قال: إشارة إلى حدوث القرآن، وبعضهم قال: هي مفاتيح أسماء الله تعالى { تنزيل الكتاب } أي أنزله الله في كتابه { العزيز الحكيم } أي إنزاله دليل على مدبر صانع قادر عالم حي سميع، قال الحسن: مسافة كل سماء مسيرة خمسمائة عام، وبين كل سماء مسيرة خمسمائة عام ، وكنافة كل أرض مسيرة خمس مائة عام { وفي خلقكم } أي في خلق البشر من كونه نطفة في الرحم ونقلها من حال إلى حال { وما يبث من دابة } أي فرق من الحيوانات وفي الأرض من أنواع مختلفة وصور متفرقة { آيات لقوم يوقنون } يصدقون { واختلاف الليل والنهار } أي أحدهما يجيء خلف الآخر، وقيل: اختلاف حالهما من زيادة ونقصان { وما أنزل الله من السماء من رزق } أي سبب الرزق وهو المطر { فأحيا به الأرض بعد موتها } أي أحياها بالنبات { آيات لقوم يعقلون } ذلك ويتدبرون فيه { تلك آيات الله } ذكره آيات الله { نتلوها عليك بالحق } أي بالصدق { فبأي حديث بعد الله } أي بعد حديث الله وهو القرآن { وآياته يؤمنون } أي إن لم يؤمنوا بحديث الله وآياته مع انه أصدق القائلين فبأي حديث يؤمنون؟ والفرق بين الحديث الذي هو القرآن وبين الآيات أن الحديث قصص واخبار بين الحق والباطل، والآيات الدالة بين الصحيح من الفاسد { ويل } ، قيل: كلمة وعيد وأد سائل من صديد جهنم { لكل أفاك أثيم } كذاب مذنب { يسمع آيات الله } يعني القرآن { تتلى عليه ثم يصر مستكبرا } يعني لا يؤمن بها بل يصر على كفره { كأن لم يسمعها فبشره بعذاب أليم } وجيع { وإذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا } يستهزئ بها فيزداد ضلالا { أولئك لهم عذاب مهين } ثم فسره فقال سبحانه: { من ورائهم جهنم } عبر بلفظ الجمع ومرة بلفظ الواحد لأنه أراد الجنس، والمعنى بين أيديهم جهنم يصيرون إليها { ولا يغني عنهم } ولا يكفي في المنع من عظم عذاب الله { ما كسبوا شيئا } من أموالهم { ولا ما اتخذوا من دون الله أولياء } ، قيل: الأوثان، وقيل: الرؤساء وعلماء السوء { ولهم عذاب عظيم }.
[45.11-20]
{ هذا هدى } القرآن دلالة على الدين { والذين } كذبوا بآيات الله { لهم عذاب من رجز أليم } { الله الذي سخر لكم } أي لمصالحكم ومنافعكم { ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون } في الدلالة { قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله } الآية نزلت في عمر بن الخطاب وذلك أن رجلا من غفار شتمه فهم عمر أن يبطش به فأنزل الله تعالى هذه الآية وأمر بالعفو عنه، يعني يتركوا مجازاتهم على الأذى لهم، وقيل: هو وعيد لهم كما يقال: دعني وفلانا لا يرجون أيام الله، قيل: لا يرجون آياته نعمه وثوابه في الآخرة، وقيل: لا يخافون عقابه ونقمته { ليجزي قوما بما كانوا يكسبون } { من عمل صالحا فلنفسه } أي منافعه { ومن أساء فعليها } أي من عمل معصية فعليها أي وبالها عليه { ثم إلى ربكم ترجعون } إلى الموضع الذي يحكم فيه بين عباده { ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب } يعني التوراة، قيل: كتب الأنبياء من بني إسرائيل { والحكم } ، قيل: العلم بالدين، والحكم قيل: الفصل في الأمور بين الناس { والنبوة } فبعث منهم أنبياء { ورزقناهم من الطيبات } أي أعطيناهم من أنواع الطيبات، وقيل: المراد به المن والسلوى { وفضلناهم على العالمين } ، قيل: على عالمي زمانهم { وآتيناهم بينات من الأمر } أحكام التوراة { فما اختلفوا } في أمر دينهم { إلا من بعدما جاءهم العلم بغيا بينهم } طلبا للرئاسة وترك الانابة إلى الله تعالى { إن ربك يقضي بينهم } أي يحكم ويفصل { يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون } فيقضي بين المحق والمبطل { ثم جعلناك على شريعة من الأمر } أي طريقة وسنة من الأمر من الدين وهو الإسلام { فاتبعها } أي فاتبع الشريعة بأن تعمل { ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون } أي الجهال { إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا } أي لا يدفعون عذابا إن نزل بك { وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض } ينصر بعضهم بعضا ويتولى بعضهم بعضا { والله ولي المتقين } أي ناصرهم { هذا } أي القرآن { بصائر للناس } أي معالم في الدين يبصرون به أمر دينهم { وهدى } بيان ودلالة { ورحمة } أي نعمة { لقوم يوقنون } خصهم لانتفاعهم به.
[45.21-26]
{ أم حسب الذين اجترحوا السيئات } الآية نزلت في نفر من قريش شيبة وعتبة والوليد بن المغيرة قالوا للمؤمنين: إن كان ما تقولون حقا لنفضلن عليكم في الآخرة كما فضلنا في الدنيا فنزلت أي عملوا المعاصي { أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون } أي يطلبون استواء حال المطيع والعاصي في الثواب بئس الحكم ذلك { وخلق الله السماوات والأرض بالحق } ، قيل: الحق الجزاء، وقيل: الحق الغرض صحيح حق { ولتجزى كل نفس بما كسبت } عملت { وهم لا يظلمون } { أفرأيت } يا محمد { من اتخذ إلهه هواه } ، قيل: دينه ما يهواه في أموره لا بحجة تقوى، وقيل: اتخذه معبودا هواه فيعبد ما يهوى دون ما دلت الدلالة على أن العبادة تحق له، وكانت العرب تعبد العزى وهو حجر أبيض وحسا من آلهته، وكانوا يعبدون الحجارة والذهب والفضة وإذا وجدوا شيئا أحسن من الأول رموه وكسروه وألقوه في بئر وعبدوا الثاني فأنزل الله: { أفرأيت من اتخذ آلهة هواه } ، وقيل: نزلت في الحارث بن قيس السهمي كان يعبد ما تهوى نفسه، وهو أحد المستهزئين { وأضله الله على علم } ، قيل: وجده الله ضالا على علم أنه يضل، وقيل: ظهور الضلال منه أي عالم بأنه ضال، وقيل: أضله عن ثوابه وجنته { وختم على سمعه وقلبه } ، قيل: وسم عليها الملائكة علامة، وقيل: خذله وخلاه على ما اختاره حتى استحكم عبادة السوء في قلبه، فلم يسمع الحق ولا يفهمه فكأنه مختوم على قلبه وعينه { وجعل على بصره غشاوة } أي غطاء، يعني يصير كأنه كذلك من حيث لا يبصر الحق تشبيها { فمن يهديه من بعد الله } أي إن لم يهتدي بهدى الله فمن يهديه سواه، وقيل: إذا لم يهده الله إلى الجنة فمن يهديه { أفلا تذكرون } يعني أفلا تتفكرون في هذا حتى تفهموه { وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا } أي لا دار سوى هذه الدار { نموت ونحيا } أي نموت فيها ونحيى نحن من غير صانع قيل: هو على التقديم والتأخير، أي يموت بعضنا ويحيى بعضنا { وما يهلكنا إلا الدهر } أي ما يهلكنا إلا مرور الزمان وطول العمر { وما لهم بذلك من علم } أي ما يقولونه ليس كذلك عن حجة وعلم بل ظنا وتقليدا { إن هم إلا يظنون } { وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات } واضحات { ما كان حجتهم إلا أن قالوا ائتوا بأبآئنا إن كنتم صادقين } أي جيئوا بآبائنا الذين ماتوا إن كنتم صادقين في دعواكم { قل الله يحييكم ثم يميتكم } ثم يحييكم في الدنيا ثم يميتكم فيها { ثم يجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه } أي لا شك { ولكن أكثر الناس لا يعلمون } الله حق معرفته حتى يعلمون صحة البعث، وقيل: لا يعلمون من الباطل.
[45.27-37]
Shafi da ba'a sani ba