410

{ و } الله يا أكمل الرسل { لئن مستهم } وظهرت عليهم { نفحة } واحدة مني ورائحة قليلة { من عذاب ربك } نازلة على سبيل المقدمة والأنموذج { ليقولن } مصرخين صائحين متضرعين معترفين بذنوبهم قائلين: { يويلنآ } وهلاكنا تعالى { إنا كنا ظالمين } [الأنبياء: 46] خارجين عن حدود الله مستوجبين للمقت والهلاك، أدركنا فقد حان حينك وقرب أوانك.

[21.47-50]

{ و } بمجرد اعترافهم بظلمهم لا نأخذهم ولا نعذبهم حينئذ بل { نضع الموازين القسط } العدل المسوى المستقيم بحيث لا عوج ولا انحراف لها إلى جانب أصلا، المعدة { ليوم القيامة } لنوزن فيها أعمال العباد صالحها وفاسدها، ثم نجازيهم على مقتضى ما ظهر منها { فلا تظلم } وتنقص { نفس شيئا } من جزائها، ولا تزداد عليها أيضا سواء كان خيرا أو شرا، ثوابا أو عقابا على مقتضى عدلنا القويم وصراطنا المستقيم { وإن كان } العمل والظلم وزنه { مثقال حبة } كائنة { من خردل أتينا بها } مع أنها لا اعتداد لها، وجازينا صاحبها عليها تتميما لعدلنا، وتوفية لحقوق عبادنا { وكفى بنا حاسبين } [الأنبياء: 47] أي: كفى حسبانا لحقوق عبادانا أو لا يعزب عن حيطة حضرة علمنا شيء منها وإن قل وحقر.

ثم قال سبحانه على سبيل التذكير والعظة: { ولقد آتينا } من تمام فضلنا وجودنا { موسى و } أخاه { هارون الفرقان } أي: التوراة الفارق بين الحق والباطل { و } لكمال فرقة وفضله صار { ضيآء } يستضيء به عموم المؤمنين الموحدين من الملليين التائهين في ظلمات الغفلات والجهالات وأنواع الضلالات { وذكرا للمتقين } [الأنبياء: 48] منهم المتذكرين الوقوف بين يدي الله يوم العرض الأكبر.

وهم { الذين يخشون ربهم بالغيب } أي: بضمائرهم وسرائرهم كما يخشون منه سبحانه بظواهرهم وعلنهم { و } مع ذلك الخوف المستوعب لجوانحهم وجوارحهم { هم من الساعة } الموعودة إتيانها، المتحققة وقوعها وقيامها حقا حتما محققا { مشفقون } [الأنبياء: 49] خائفون مرعوبون كأنها واقعة آتيه.

{ وهذا } القرآن الفرقان الجامع أيضا { ذكر } وتذكير لعموم الموحدين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم مبارك كثير الخير والبركة للموقنين المخلصين منهم، الواصلين إلى مرتبة الفناء في الله { مبارك أنزلناه } من كمال فضلنا ولطفنا إلى محمد خاتم الرسالة، ومتمم مكارم الأخلاق، ومكمل دائرة الرسالة والنبوة عليه من الصلاة، والتحيات ما هو الأولى والأحرى { أفأنتم له } ولكتابه { منكرون } [الأنبياء: 50] أيها المسرفون المستكبرون؟!.

[21.51-57]

{ ولقد آتينآ } وأعطينا { إبراهيم رشده } أي: كمال عقله ورشاده إلى حيث أيقظناه عن سنة الغفلة، فأخذ لطلب المعارف، والحقائق وسلوك طريق التوحيد، والتوجه نحو الحق { من قبل } أي: من قبل موسى وهارون { وكنا به } أي: بكمال استعداده وقابليته لحمل أعباء الرسالة والنبوة، وانكشافه بسرائر التوحيد { عالمين } [الأنبياء: 51] بحضرة علمنا في لوح قضائنا.

اذكر يا أكمل الرسل: { إذ قال } جدك إبراهيم { لأبيه وقومه } حين جذبه الحق نحو جنابه وهداه إلى بابه، مستفهما على سبيل الإنكار والتقريع: { ما هذه التماثيل } الباطلة والهياكل الزائغة الزائلة { التي أنتم } مع كونكم من زمرة العقلاء المجبولين لمصلحة التوحيد والعرفان { لها عاكفون } [الأنبياء: 52] عابدون متذللون، مع أنها جمادات لا شعور لها ولا حركة، فكيف المعرفة واليقين وعبادة الفاضل للمفضول المرذول في غاية السقوط عند ذوي النهي وأولي الألباب؟.

ولما تفرسوا منه الرشد التام وجدوا قوله معقولا محكما { قالوا } في جوابه: ما نعرف استحقاق هؤلاء التماثيل للعبادة والألوهية، ولا تنكشف بسرائرها، غير أنا { وجدنآ آبآءنا } وأسلافنا { لها عابدين } [الأنبياء: 53] فنعبدهم كما عبدوها، مع أنهم كانوا من ذوي الفطنة والرشاد، فنعتقد أنهم انكشفوا بأسرارها، وما لنا شغل باستكشافها سوى أن نعبد بما يعبد أولئك الأسلاف.

Shafi da ba'a sani ba