409

ثم قال سبحانه تفظيعا لهم وتهويلا عليهم: { لو يعلم } ويطلع { الذين كفروا } كيفية ما استعجلوا من العذاب وكميته { حين لا يكفون } أي: حين نزل عليهم حتما، ولا يمكنهم حينئذ أن يدفعوا { عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم } لأنهم محاطون بها، مغمورون فيها بحيث لا يسع لهم دفعها بأنفسهم { ولا هم ينصرون } [الأنبياء: 39] من الغير.

إذ كل نفس رهينة بما كسبت؛ يعني: لو علموا فظاتها وهولها، لما استعجلوا، لكنه لا يعلمون لذلك استعجلوا اغترارا واستكبارا.

{ بل تأتيهم } العذاب والساعة حتى تأتيهم { بغتة } فجأة ودفع { فتبهتهم } أي: تحيرهم وتدهشهم وقت ظهورها، فصاروا حينئذ حيارى سكارى مدهوشين { فلا يستطيعون } ردها إذ لا راد لقضاء الله ولا معقب لحكمه، سيما بعد نزوله { ردها ولا هم ينظرون } [الأنبياء: 40] ويمهلون حينئذ أن استمهلوا.

{ و } لا تبال بهم يا أكمل الرسل، ولا تحزن عن استهزائهم وسخريتهم؛ إذ { لقد استهزىء برسل } كثير مضوا { من قبلك } استهزءوا معهم أممهم مثل ما استهزءوا معك قريش { فحاق } وأحاط بالآخرة { بالذين } أي: بالمستهزئين الذين { سخروا منهم } أي: من الرسل وبآل { ما كانوا به يستهزئون } [الأنبياء: 41] ويستسخرون، وبأضعاف ما لحق لهم المعاندين المكابرين فلا تحزن عليه ولا تك في ضيق مما يستهزئون.

[21.42-46]

وإن أنكروا إلمام العذاب وإنزاله عليهم { قل } لهم يا أكمل الرسل نيابة عنا: { من يكلؤكم } ويحفظكم { بالليل } وقت فراغكم ومنامكم { والنهار } وقت شغلكم وترددكم { من } نزول العذاب عذاب { الرحمن } القادر على أنواع القهر والانتقام بمقتضى جلاله، لو لم يرحم عليكم بمقتضى لطفه وجماله، لكن يرحم عليكم، فلم يعذبكم رجاء أن تنتبهوا وتواظبوا على شكر نعمه، وأداء حقوق كرمه { بل هم } من شدة غفلتهم وسكرتهم { عن ذكر ربهم } الذي يحفظهم عن أنواع المكروهات والمؤذيات { معرضون } [الأنبياء: 42] لا يتوجهون نحوه ولا يلازمون عبادته ولا يداومون شكره.

{ أم } يزعمون أولئك المصرون المسرفون أن يدفعوا عذابنا النازل لهم بقوة نفوسهم { لهم آلهة تمنعهم } أي: تمنع عنهم العذاب مع أهم { من دوننا } شركاء لنا في الألوهية والربوبية كما زعموا، وتشفعه لهم عندنا، كلا وحاشا أن يسع لآلهتهم هذا؛ إذ { لا يستطيعون } أولئك التماثل الهلكى { نصر أنفسهم } لا يقدرون لدفع ما لحقهم ونزل عليهم من المكروهات فكيف عن غيره؟ { ولا هم } أي: آلهتهم { منا يصحبون } [الأنبياء: 43] ويقربون حتى يشفعوا لهم، ويدفعوا عذابنا عنهم بواسطة قربتهم وصبحتهم معنا، وإن خيلوا أن إمهالنا إياهم وآباءهم متنعمين مترفهين طول أعمارهم أمارة عدم أخذنا إياهم وانتقامنا منهم، إنما هو خيال باطل، ووهم زائغ زائل مما سولت لهم أنفسهم بتغرير إبليس عليهم.

{ بل متعنا هؤلاء } المسرفين المعاندين { وآبآءهم } الضالين المستكبرين { حتى طال عليهم العمر } فارتكبوا أنواع المعاصي والآثام مدة حياتهم فظنوا أنهم مصونون عن الأخذ والانتقام، ونزول العذاب والنكال { أ } يتوهمون من إمهالنا إيام هذا الموهوم { فلا يرون أنا } من مقام قهرنا وانتقامنا إياهم { نأتي الأرض } أي: نبعث ونغلب جنود المسلمين على أرض الكفرة بحيث { ننقصها } ونخربها مبتدئين { من أطرافهآ } إلى أن وصل إلى أقاصيها { أ } يزعمون ويتوهمون بعد أخذنا في تخريبه أطراف بلادهم وتنقيصها { فهم الغالبون } [الأنبياء: 44] على جنودنا وجنود أنبيائنا ورسلنا، ما هو إلا زعم فاسد، فإن ادعوا أنا وآباؤنا دائما مستمرا في كنف حفظ الله وجوار صونه من أعمارنا، فمن أين تخوفنا وتنذرنا أنت من إنزال الله العذاب علينا بغتة مع أنه لم يعهد لنا ولا لآبائنا منه تعالى أمثال هذا.

{ قل } يا أكمل الرسل في جوابهم: { إنمآ أنذركم } أي: ما أنذركم وأخوفكم من تلقاء نفسي بل { بالوحي } المنزل علي من عند الله، المشتمل على إنذاركم وتخويلكم.

ثم قال سبحانه توبيخا عليهم وتقريعا: { و } كيف يرشدكم ويهديكم الرسول المنزل إليكم، المؤيد بالآيات والمعجزات أيها المقصرون على الصمم الحقيقي والإعراض الفطري الجبلي إذ { لا يسمع } الرسول { الصم الدعآء } والذكر المتضمن لأنواع الهداية والرشاد، ولا يسع له إسماعكم { إذا ما ينذرون } [الأنبياء: 45] أي: إلا وقت قابليتكم والتفاتكم إلى الإنذار والتخويف، وأنتم من شدة صممكم وقسوتكم خارجون عن قابلية الإنذار والإرشاد والوعد والوعيد.

Shafi da ba'a sani ba