{ و } لذلك { أتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة } أي: صاروا متبوعين للطرد والتخذيل في النشأة الأولى والأخرى { ألا } تنبهوا يا أولي الأبصار والاعتبار { إن عادا } المعاندين { كفروا ربهم } نعمه وجحدوا توحيده { ألا بعدا } طرد وتخذيلا وتبعيدا عن ساحة عز احضور { لعاد قوم هود } [هود: 60] أردفه بعطف البيان للتمييز عن عاد إرم.
{ و } بعدما انقرضوا وانقهروا بما انقهروا أرسلنا { إلى ثمود } حين ظهروا بالكفر والشقاق والانصراف عن منهج الرشاد باتخاذ الأوثان آلهة { أخاهم صالحا } لأنه أولى وأليق لإرشادهم وإهدائهم { قال يقوم اعبدوا الله } الواحد الأحد الفرد الصمد، الذي { لم يكن له كفوا أحد } [الإخلاص: 4] ولا تشركوا به شيئا؛ إذ { ما لكم من إله } موجد مظهر لكم من كتم العدم { غيره } بل { هو } بذاته وأسمائه وأوصافه الذاتية والفعلية { أنشأكم } وأظهركم { من الأرض } بامتداد أظلال أسمائه ورش نوره { و } بعدما أظهرمك منها { استعمركم } واستبقاكم { فيها } ورباكم بأنواع اللطف والكرم عليها { فاستغفروه } واسترجعوا إليه على ما فرطتم في حقه { ثم توبوا إليه } مخلصين نادمين عسى أن يقبل منكم ويعفو عن زلاتكم { إن ربي قريب } لكم يعلم توبتكم وإخلاصكم فيها { مجيب } [هود: 61] يجيب دعوتكم ويعفو زلتكم.
{ قالوا } بعدما سمعوا دعوته وتذكيره: { يصالح قد كنت فينا مرجوا } أي: مستشارا ومؤتمنا، واعتقدناك سيدا ذا رشد { قبل هذا } الزمان فالآن صرت أخرق { أتنهانآ أن نعبد ما يعبد آباؤنا } أي: نهيتنا عن عبادة معبودات آبائنا { و } الحال أنه { إننا لفي شك } وتردد عظيم { مما تدعونآ إليه } من توحيد الإله المعبود بالحق وإبطال آلهتنا التي وجدنا آباءنا لها عابدين، { مريب } [هود: 62] ذي ريبة منتهية إلى كمال الارتياب، مع أنك لم تأت ببينة معجزة تلجئنا إلى تصديقك.
[11.63-68]
{ قال يقوم أرأيتم } أي: أخبروني { إن كنت } جئت لكم ملتبسا { على بينة } واضحة دالة على صدق ما ادعيت نازلة { من } عند { ربي } لتصديقي وتأييدي { و } الحال أني قد { آتاني منه رحمة } نبوة ورسالة تامة، مؤيدة بأنواع المعجزات { فمن ينصرني } ويمنعني { من } عذاب { الله إن عصيته } في تبليغ رسالته وإظهار ما أمرني بظهوره وأوصاني بنشره { فما تزيدونني } حين ابتلائي وأخذ الله إياي بعصياني { غير تخسير } [هود: 63] على تخسير وتخذيل على تخذيل.
{ و } بعدما آيس عن إيمانهم قال: { يقوم هذه ناقة الله لكم آية } دالة على صدقي في دعواي وتأييد الله إياي { فذروها تأكل في أرض الله } مسلمة بلا منع وإباء { ولا تمسوها بسوء } لأجل الماء والكلأ { فيأخذكم } ويلحقكم بعدما أصبتموها بسوء { عذاب قريب } [هود: 64] أجله وحلولهن، وبعدما ظهرت الناقة بين أظهرهم وأكلت كلأهم وشربت ماءهم فتضروا منها وشاوروا في أمرها وتقرر رأيهم إلى قتلها { فعقروها } وهلوكها ظلما وزورا { فقال } صالح بعدما وقع الواقعة الهائلة: { تمتعوا في داركم } أي: عيشوا فيها بعدما خالقتم حكم الله وآتيتم بما نهيتم { ثلاثة أيام } الأربعاء والخميس والجمة، فوادعوا فيها وتوادعوا، واعلموا أن { ذلك وعد } أوحي إلى من ربي { غير مكذوب } [هود : 65] أي: غير منسوب إلى الكذب، بل مصدق متيقن فلا تشكوا.
{ فلما جآء أمرنا } بالعذاب المهلك بعد انقضاء الأيام الثلاثة التي ظهرت فيها علاماته من اصفرار في وجوههم في اليوم الأول، واحمرارها في الثاني، واسودادها في الثالث { نجينا } من فضلنا وجودنا { صالحا } الذي صلح نفسه وأصلح نفوسهم، فمل يقبلوا إصلاحه، بل أفسدوها بأنفهسم { و } نجينا أيضا منهم { الذين آمنوا معه } وصلحوا بإصلاحه { برحمة } نازلة { منا } على قلوبهم؛ ليوفقوا بها على قبول دعوته والإيمان به، وبسبب إيمانهم نجوا من خزي النشاة الأخرى { ومن خزي يومئذ } أيضا { إن ربك } يا أكمل الرسل الموفق لهم على الإيمان والإذعان { هو القوي } المحصور على القوة والقدرة؛ إذ لا حول ولا وقة إلا به { العزيز } [هود: 66] الغالب على إمضائه وإنفاذه حيث أراد وشاء.
{ و } بعدما أنجاهم الله بلطفه { أخذ الذين ظلموا } أنفسهم بالعتو والفساد { الصيحة } الهائلة التي وعدها الله لإهلاكهم { فأصبحوا } بعدما سمعوا الصيحة في أثناء الليل { في ديارهم } التي صاروا متمتعين فيها { جاثمين } [هود: 67] جامدين ميتين.
{ كأن لم يغنوا } ولم يسكنوا { فيهآ } أصلا، ونادى عند وقوع الواقعة الهائلة أصحاب الاعتبار والاستبصار: { ألا إن ثمود كفروا ربهم } بكفران نعمه وتكذيب رسله { ألا بعدا لثمود } [هود: 68] ع سعة رحمة الحق في النشأة الأولى والأخرى.
وبعدما انقرض أولئك الهالكون حدث بعدهم قوة لوط المبالغون في الغفلة القبيحة غقلا ونقلا، المصرون عليها إلى أن أخذناهم بما أخذناهم.
Shafi da ba'a sani ba