264

{ يقوم } اسمعوا قولي واتعظوا به وامضوا بمقتضاه واقبلوا نصحي؛ إذ { لا أسألكم عليه أجرا } ولا أطلب منكم عوضا، بل أنا مأمور بالتبليغ والتذكير من عند العليم الخبير { إن أجري إلا على الذي فطرني } أي: بعثني بالإرشاد والإهداء، أتشكون في أمري وتترددون في شأني وتذكيري ونصحي؟ { أفلا تعقلون } [هود: 51] وتستعملون عقولكم في أفعالكم القبيحة وأعمالكم الفاسدة الناكبة عن طريق الاعتدال الذي هو صراط الله الأقوم الأعدل؟!.

{ و } بعدما ازدادوا الإصرار والاستكبار، أخذهم الله بعقم الأرحام والأمطار فاضطروا، قال هود عليه السلام: { يقوم استغفروا ربكم } من فرطاتكم وهفواتكم، واطلبوا المغفرة والنجاة منه { ثم توبوا } واسترجعوا { إليه } نادمين مخلصين { يرسل السمآء عليكم } بأمر الله تفضلا وامتنانا { مدرارا } أمطارا كثيرة على سبيل التتابع والإدرار { ويزدكم قوة إلى قوتكم } أي: يضاعف أولادكم التي هو قوة ظهوركم { و } عليكم أن { لا تتولوا } على الله حال كونكم { مجرمين } [هود: 52] معرضين وعن رسله مصرين على ما أنتم عليه.

{ قالوا } بعما سمعوا منه ما سمعوا: { يهود } نادوه استحقارا له واستكبارا عليه { ما جئتنا ببينة } واضحة مثبتة لدعواك حتى نقبل منك قولك { و } بعدما لم تجيء إلينا بالبينة الملجئة ما كان نعتقدك صادقا صدوقا ثقة حتى نقبل قولك بلا بينة، اترك ما أنت عليه من الدعوة الفاسدة؛ إذ { ما نحن بتاركي آلهتنا } التي وجدنا آباءنا لها عاكفين { عن قولك } أي: عن مجرد دعواك لا بينة ودليل { و } بالجملة: { ما نحن لك بمؤمنين } [هود: 53] مصدقين لك بلا شاهد وبينة.

[11.54-58]

بل { إن نقول } أي: ما تقول في حقك { إلا اعتراك } أي: سوى هذا القو وهو أنك أصابك ورماك { بعض آلهتنا بسوء } جنون وخفة عقل واختال حال، وكنت أنت تسيء الأدب معهم، وتذكرهم وتهيجهم بما لا يليق بجنابهم، ولذلك أصابوك واستخفوا عقلك، وبعدما سمع هود ما سمع، آيس من إيمانهم وهدايتهم { قال } مبرئا أولا لنفسه من الشرك، إمحاضا للنصح: { إني أشهد الله } العالم بسري وإعلاني وخفيات إسراري { واشهدوا } أنتم أيضا أيها الهالكون في تيه الغفلة والغرور علي { أني بريء مما تشركون } [هود: 54] الله الواحد الأحد الصمد الذي ليس له شريك في الوجود أصلا من الأظلال الهالكة والتماثيل الباطلة المتخذة { من دونه } آلهة سواه { فكيدوني } أي: فعليكم أيها الحمقى المنحطين عن زمرة الغقلاء بعدما سمعتم قولي وحققتم براءتي أن تمكروني وتصيبوني أنتم وشركاؤكم { جميعا ثم } بعد اليوم { لا تنظرون } [هود: 55] أي: لا تمهلون في أمري ولا في مكري.

{ إني } بعدما { توكلت على الله ربي وربكم } لا أبالي بكم وبشركائكم، ولا تحزن لمكرهم ومكركم بعدما أتمكن مقر التوحيد؛ إذ { ما من دآبة } يتحرك على الأرض { إلا هو } سبحانه بذاته { آخذ بناصيتهآ } أي: وجودها التي تلي الحق يقودها ويتصرف بها كيف يشاء حسب إرادته اختيارا { إن ربي } في جميع شئونه وتطوراته { على صراط مستقيم } [هود: 56] لا عوج له أصلا.

{ فإن تولوا } أي: تتولوا وتعرضوا عما جئت به من ربي { فقد أبلغتكم مآ أرسلت به إليكم } واجتهدت في تبليغه وبذلت وسعي فيه، فاعلموا أنه لا يبالي الله في إعراضكم وإصراركم، بل إن شاء يستأصلكم { ويستخلف ربي قوما غيركم } ليتعظوا ويعتبروا منكم { و } أنتم بإعراضكم عنه سبحانه { لا تضرونه شيئا } من الأضرار، لا بالله ولا بي { إن ربي } من كمال جوده وسعة رحمته { على كل شيء } كائن في حيطة جوده ووجوده { حفيظ } [هود: 57] رقيب قريب.

{ ولما } تمادوا في الغفلة والإعراض، وبالغوا في الإصرار والاستكبار { جآء أمرنا } بالريح، فعصفت عليهم السموم، وكانت تدخل من أنوفهم وأفواههم فقطعت أمعاءهم فهلكوا، ولما أخذناهم بما أخذناهم { نجينا } من مقام جودنا { هودا } الداعي لهم إلى سبيل الحق { و } نجينا أيضا { الذين آمنوا } منهم { معه برحمة منا } تفضلا عليهم وامتنانا { و } ما اقتصرنا على إنجائهم، بل { نجيناهم } كرامة منا إياهم { من عذاب غليظ } [هود: 58] معد لأولئك الكفرة في النشأة الأخرى.

[11.59-62]

{ وتلك } العصاة الغواة المقهورون بقهر الله وغضبه { عاد } المبالغون في العتو والعناد { جحدوا } من غاية غفلتهم وغرورهم { بآيات ربهم } المنزلة على ألسنة رسله { وعصوا رسله } بالتكذيب والاستحقار لاستلزام الواحد تكذيب الجميع { واتبعوا } من غاية جهلهم ونهاية بغضهم مع الله ورسله { أمر كل جبار } مبالغ في التجبر والتكبر { عنيد } [هود: 59] متناه في المكابرة والعناد، فتركوا متابعة الداعي لهم إلى سبيل الرشا.

Shafi da ba'a sani ba