Tacbiriyya
التعبيرية في الشعر والقصة والمسرح
Nau'ikan
وأخيرا فلا بد من الإشارة إلى الكاتب المسرحي الذي استطاع أن يصور المشكلة الحقيقية التي شغلت التعبيريين، وهي مشكلة الصراع بين الآباء والأبناء. هذا الكاتب هو فالتر هازنكليفر (1890-1940) الذي نجحت مسرحيته «الابن» في تجسيد أزمة الجيل الجديد وثورته على سلطة الآباء وحنينه إلى الأخوة والسلام والمحبة بين البشر.
ويوشك «الابن» أن يكون صورة تعكس حياة المؤلف نفسه وتجاربه في لوحات كثيفة متقنة، ولغة دقيقة مركزة تبلغ أحيانا ذروة التوتر والتفجر.
ونحب أن نقف وقفة أخيرة عند هذه المسرحية؛ لنلمس منها روح الحركة التعبيرية، ونعيش لحظات في جوها الحافل بالصور والرؤى والرموز والشعر والهتاف والصراخ ...
كتبت المسرحية سنة 1914، وعرضت لأول مرة على المسرح في مدينة براغ سنة 1916، ومنع تقديمها في أثناء الحرب العالمية الأولى. وهي تشترك مع معظم المسرحيات التعبيرية في أن جميع شخصياتها شخصيات عامة غير محدودة بأسماء معينة ... وذلك باستثناء أربع منها فحسب، فهناك الأب، والابن، والصديق، والآنسة، ومندوب الشرطة، والمعلم، وكلهم يتحدث بأسلوب شاعري تلعب فيه الصورة والاستعارة والرمز دورا كبيرا، ويدخل فيه المونولوج والقصيدة في مواضع عديدة، وتكثر به الإشارات الثقافية التي تتطلب من القارئ دراية واسعة بالتراث الغربي. وتتألف المسرحية من خمسة فصول، وتستغرق أحداثها ثلاثة أيام تصل فيها المأساة إلى ذروتها عندما يقتل الابن أباه في نوبة غضب مجنون.
تبدأ المسرحية بحوار بين الابن ومعلمه الخصوصي، تعرف منه أن الابن أخفق في امتحان المدرسة، وأنه يرجع سبب هذا الإخفاق إلى أبيه الطبيب الثري الذي فرض عليه حياة قاسية تشبه حياة الحبس الانفرادي. والابن سعيد بهذا الفشل الذي سيحرره فيما يعتقد من طغيان الأب ويزيد من غضبه عليه، ويطلب من المعلم أن يبرق إليه بالنبأ لكي تكون فرصة لحضوره والحديث معه وجها لوجه يقول المعلم: لست أفهم أباك.
فيرد الابن قائلا: إذا أصبحت أبا فسوف تصير مثله، الأب هو قدر الابن. إن خرافة الصراع من أجل الحياة لم تعد لها قيمة، فالحب الأول والكره الأول يبدآن في بيت الأسرة . ويسأل المعلم: ولكن ألست الابن؟
فيقول الابن: أجل، وأنا لهذا على حق! لا يستطيع أن يفهم هذا سواي. يا عزيزي الدكتور، ربما لا نتقابل بعد اليوم، فاسمع هذه النصيحة الدامية التي تأتي من القلب. إن رزقت بولد فأهلكه أو مت قبله؛ لأنه لا بد أن يأتي اليوم الذي تصبحان فيه أنت وابنك أعداء. وليرحم الله عندئذ من ينهزم.
ويحاول المعلم عبثا أن يحوله عن حقده على أبيه، وسخطه على جبروته، ويذكره بقسوة الحياة على الأحياء، وتعاستها الطبيعية التي لا تحتمل أن نزيدها بالكره والعداء، يا صديقي العزيز، نحن جميعا سنضل في هذا العالم، لم إذن تريد أن تكون بهذه القسوة؟! انزل إلى الشارع وانظر إلى حيوان يرتعش خوفا من الرعد. أتعرف شيئا عن إحساس المومسات الجائعات؟ أرأيت في حياتك مشوها يضطر للبحث عن الخبز في السادسة صباحا؟ هنالك ينبغي أن تشعر بالامتنان لأن لك أبا. كلنا مظلوم وظالم. فمن الذي يقذف بأول حجر؟ لقد كنت كلبا شقيا، وكان أبي يكدح من أجلي. رأيت كيف مات. وبكيت، من جرب هذا فلن يدين غيره.
ولكن الابن يستمر في عناده وسخطه على أبيه ورغبته في الانطلاق من قيوده لمعانقة الحرية والحياة. ويدخل صديق يضع حطبا جديدا على ناره المشتعلة بالغضب والشوق، ويزين له تجربة الحب مع المربية الصغيرة التي عينها أبوه لترعاه وتعد له الطعام، لا بل يزين له الهروب إلى العالم الواسع، ويختلس الابن القبلة الأولى مع هذه الفتاة التي لم يفطن إلى جمالها وطهرها من قبل، والتي فتحت له الباب لكي يعانق الحياة ويضم الخلود إلى صدره. وتخشى الفتاة عليه وعلى نفسها فتقول له في بداية الفصل الثاني: نحن نسقط ونزداد سقوطا كل يوم وأبوك يضع ثقته في. فيقول الابن: ما أمتع أن أغشه وأخدعه! لقد انتشيت بهذه السعادة عندما قبلتك بالأمس في حجرته. والأريكة التي تعانقنا فوقها قد أحست برغبتي في الانتقام، وقطع الأثاث الميتة الشامتة التي طالما ضربني أمامها قد شهدت كلها، كلها المعجزة. لم أعد ذلك الشيء المحتقر . لقد أصبحت إنسانا.
كل ما يريده إذا هو أن يصبح إنسانا بالمعنى الوجودي المطلق لهذه الكلمة. ولا بد له أن يزيح الطاغية المستبد من طريقه ويفلت من سوطه وجبروته ليحلم كما يشاء؛ وهو لذلك مصمم على أن يواجهه مواجهة الند للند، ويفجر أمامه قنابل الكلمات التي حبسها في صدره طوال حياته.
Shafi da ba'a sani ba