Tabaqat
طبقات مشاهير الدمشقيين من أهل القرن الرابع عشر الهجري
Nau'ikan
ولد في بيروت سنة (1263) أثناء قدوم أبيه إلى الديار الشامية مهاجرا من بلاد الجزائر لما استولى عليها الفرنساويون، ثم يمم والده دمشق واستوطنها إلى أن توفي سنة (1269) ونشأ ابنه على كمال وأدب، فحفظ القرآن الكريم، وتلقى طرفا من العلوم العربية وغيرها على بعض الأساتذة، وحفظ «المقامات الحريرية» عن ظهر قلب، وأكثر من مطالعة دواوين الشعراء، وصارت له ملكة في الصناعتين، فنظم ونثر، وأنشأ عدة مقامات أدبية، واختص بالأمير عبد القادر الحسني الجزائري، واقتصر على مدحه وحصر جميع ما أنشأه من المحاورات والرحلات باسمه، ووظفه الأمير مؤدبا لأطفاله، فكان له في دار الأمير محل على حدة يقرئ فيه أولاده ويؤدبهم، ثم صار في المدرسة الريحانية أستاذا لها واختص بها، وأقام معه من تلامذته من يعينه في تعليم الأطفال وبعد وفاة أخيه الشيخ محمد الطيب سنة (1314) التف حوله إخوانه ومريدوه، وصار يقرأ لهم كتبا في الرقائق ليلتين في الأسبوع يذهب فيهما مع إخوانه لدور بعض إخوانهم فيقرأ الدرس ثمة. وكان يجيد تصحيح ما يقرؤه ويراجع لضبطه كتب اللغة ويقابله على أصوله. وله دقة في ذلك، وقد استعرت من مصححاته كتاب «سيرة ابن هشام» وكتاب «الذريعة» للراغب الأصفهاني، وكتاب «المقصد الأسنى في شرح الأسماء الحسنى»، وكان عني بتصحيحها وضبطها، والفضل في ذلك لأستاذه وصديقه العلامة الأوحد الشيخ طاهر أفندي الجزائري، فإنه كان يشير عليه بمثل ذلك، والمترجم يأتمر بأمره ويتقبل نصيحته. وكان كثيرا ما يستعير من مصححاتي والنوادر التي عندي فأعيره لما كان بيننا من أكيد المودة، وقد اقترحت عليه عام (1310) أن يتمم ما عندي من مدائح دمشق على ترتيب حروف الهجاء، وكان نقص من ذلك المقفى على قافية الثاء المثلثة والخاء، والذال، والشين، والضاد، والظاء، والغين، والواو وأمثالها مما يقل التقفية عليه فأجاب وأكملها، وضممت ذلك إلى كتابي هذا 1 كما ستراه في محله منه عند ذكر مدائح دمشق المنظومة، وأقل الخروج من داره في آخر أمره إلا لدعوة أو حاجة واعتراه مرض أنهكه ولكن تجلد في تحمله وتصبر له، وكان للنساء اعتقاد فيه ككل مغربي متصوف، فكن يقصدنه للرقى والتمائم والصرع، ويأخذ في مقابلة ذلك ما جرت به العادة لأمثاله، وكان لطيف المعشر، رقيق الحاشية، كريم الطبع، سخي الكف، بشوش الوجه، كثير الترحيب لزائره، أديبا في جلسته ومحاضرته، له انبساط مع إخوانه وإيناس.
وبالجملة فكان بهجة أقرانه، وكانت وفاته ضحوة الثلاثاء في (5) جمادى الثانية سنة (1330) في الصالحية، وأوصى أن تحمل جنازته بلا عمامة ولا غطاء، وصلي عليه في الجامع السليمي في الصالحية، ودفن على والده في سفح قاسيون في المقبرة المنسوبة الذي الكفل عليه السلام.
***
Shafi 111