ولد في دمشق رابع محرم الحرام عام تسع وخمسين ومائتين وألف (1259) ونشأ في حجر والده، وحضر دروسه في الفنون العربية والعلوم الشرعية، وعكف عليه في حياته، ولازم خدمته، وأقام على مرضاته ورعاية الأدب معه بما لم يسمع بمثله، حتى كان لا يرفع طرفه بحضرته إلا وقت محادثته، وكان بسبب ذلك يمنحه الجد وذريته دعواته الصالحة وتوجهاته القلبية الناجحة التي ظهر أثرها وبركتها- والحمد لله تعالى- عليه وعلى سلالته. ولما توفي والده عام أربع وثمانين ومأتين وألف كما تقدم قام مقامه في إمامة جامع السنانية وإحياء دروسه الليلية والنهارية، فأفاد الجليس، ونثر الدر النفيس، وانتفع بعلومه وآدابه الكثير من طلبه العلوم. وقد شهد لجنابه الخاص والعام بالفضل والذكاء وكمال القريحة ورقة الحاشية ولين الطباع، حتى كان الأدباء يسعون لسماع خطابه والتلذذ بكل ما يبديه من بديع الفوائد. وله أخذ وسماع وتحصيل عن غير والده الجليل، من أساتذة محققين، وأفاضل كاملين، منهم الشيخ محمد الطنطاوي، والشيخ سليم العطار، والشيخ محمد المنير، والشيخ عمر العطار، والشيخ سعيد الأزهري النابلسي البصير وغيرهم، بوأهم الله دار السلام. وفي سنة إحدى وثلاثمائة وألف ذهب لزيارة بيت المقدس الجليل، ودعي لأداء فريضة الحج ذلك العام، وعاد إلى الأوطان بغاية البهاء والاحتشام، وكان له إقبال عظيم على شأنه، وانزواء شديد عن أكابر زمانه، وكان له مهابة في النفوس، أمارا بالمعروف نهاءا عن المنكر، له حدة في الحق عمرية، وثبات جأش وقوة جنان علية، ومع هذا فتواضعه في نفسه واطراحه مع صحابته أمر يقضى منه العجب، وقد رزق طلاوة النطق وحلاوة التعبير، وانفرد عن أقرانه في دروسه بفصاحة التقرير وجودة التحرير، فإذا تكلم خلب الألباب، كما إذا كتب سحر ببلاغته الكتاب، وربما بقي في الكلام على حديث واحد ليالي متعددة يبث فيها سبائك المناسبات، والفوائد المستنبطات، وبالجملة فلقد كان رضي الله عنه آية في استحضار الشواهد وتقرير الأحكام، وكان حريصا على مطالعة الكتب وجمع الفوائد، ملازما لبيته، لا يخرج منه إلا لصلاة الجماعة أو لمأرب صالح، هذا عدا عن الصلاح الغض، والوفاء المحض، وما امتاز به من حسن السجايا، ولين العريكة، وكرم المزايا، وكان له في دعائه أكبر خضوع، وفي صلاته خشوع وأي خشوع، وكان حسن الظن بمولاه، متين اليقين، غزير الدمعة عند ذكره الرقائق وتقصير النفس. وقد مدحه كثير من الأدباء في قصائد غراء، فمن ذلك للأديب الفاضل الشهير السيد الحسين الحبال البيروتي مطرزا (مولاي سعيد) هذه الأبيات:
Shafi 49