قبيل قانون روسيا، تصبح الأراضي الزراعية بعد خمسين عامًا أو قرن على الأكثر كإيرلندة الإنكليزية المسكينة، التي وجدت لها في مدى ثلاثة قرون شخصًا واحدًا حاول أن يرحمها فلم يُفلح؛ وأعني به غلادستون، على أنَّ الشرق ربما لا يجد في ثلاثين قرنًا من يلتمس له الرَّحمة.
والشرط الثالث لجواز التمّول، هو: ألا يتجاوز المال قدر الحاجة بكثير، لأن إفراط الثروة مهلكة للأخلاق الحميدة في الإنسان، وهذا معنى الآية: ﴿كلا إنَّ الإنسان ليطغى*أن رآه استغنى﴾، والشرائع السماوية كلُّها، وكذلك الحكمة الأخلاقية والعمرانية حرَّمت الربا؛ صيانةً لأخلاق المرابين من الفساد، لأنَّ الربا: هو كسب بدون مقابل مادي؛ ففيه معنى الغصب، وبدون عمل؛ لأنَّ المرابي يكسب وهو نائم؛ ففيه الأُلفة على البطالة، ومن دون تعرُّض لخسائر طبيعية كالتجارة والزراعة والأملاك؛ ففيه النماء المطلق المؤدي لانحصار الثروات. ومن القواعد الاقتصادية المتَّفق عليها أنْ ليس من كسب لا عار ولا احتكار فيه أربح من الربا مهما كان معتدلًا، وأنَّ بالربا تربو الثروات فيختلُّ التساوي أو التقارب بين النّاس.
وقد نظر المالّيون وبعض الاقتصاديين من أنصار الاستبداد في أمر الرِّبا، فقالوا: إنَّ المعتدل منه نافع، بل لا بدَّ منه. أولًا: لأجل قيام المعاملات الكبيرة، وثانيًا: لأجل أنَّ النقود الموجودة لا تكفي للتداول، فكيف إذا أمسك المكتنزون قسمًا منها أيضًا؟! وثالثًا: لأجل أنَّ كثيرين من المتمولين لا يعرفون طرائق الاسترباح أو لا يقدرون عليها، كما أنَّ كثيرًا من العارفين بها لا يجدون رؤوس أموال ولا شركاء عنان. فهذا النظر
1 / 86