والشرط الثاني: أن لا يكون في التموّل تضييق على حاجيات الغير كاحتكار الضروريات، أو مزاحمة الصنّاع والعمال الضعفاء، أو التغلُّب على المباحات؛ مثل امتلاك الأراضي التي جعلها خالقها ممرحًا لكافة مخلوقاته، وهي أمهم ترضعهم لبن جهازاتها، وتغذّيهم بثمراتها، وتأويهم في حضن أجزائها، فجاء المستبدّون الظالمون الأولون ووضعوا أصولًا لحمايتها من أبنائها وحالوا بينهما. فهذه إيرلندة -مثلًا- قد حماها ألف مستبدّ مالي من الإنكليز، ليتمتعوا بثلثي أو ثلاثة أرباع ثمرات أتعاب عشرة ملايين من البشر الذين خُلِقوا من تربة إيرلندة. وهذه مصر وغيرها تقرب من ذلك حالًا وستفوقها مالًا، وكم من البشر في أوربا المتمدنة، وخصوصًا في لندرة وباريس، لا يجد أحدهم أرضًا ينام عليها متمددًا، بل ينامون في الطبقة السفلى من البيوت؛ حيث لا ينام البقر، وهم قاعدون صفوفًا يعتمدون بصدورهم على حبالٍ من مسد منصوبة أفقية يتلوون عليها يمنةً ويسرة.
وحكومة الصين المختلّة النظام في نظر المتمدنين، لا تجيز قوانينها أن يمتلك الشّخص الواحد أكثر من مقدار معين من الأرض لا يتجاوز العشرين كيلومترًا مربعًا؛ أي نحو خمسة أفدن مصرية أو ثلاثة عشر دونمًا عثمانيًا. وروسيا المستبدّة القاسية في عُرف أكثر الأوربيين وضعت -أخيرًا- لولايتها البولونية الغربية قانونًا أشبه بقانون الصين، وزادت عليه أنَّها منعت سماع دعوى دينٍ مسجّل على فلاح، ولا تأذن لفلاحٍ أن يستدين أكثر من نحو خمسمائة فرنك. وحكومات الشّرق إذا لم تستدرك الأمر فتضع قانونًا من
1 / 85