وأن لا يقطعوا أمرًا إلا برأيهم، وتشير إلى لزوم أن تُحفظ القوّة والبأس في يد الرّعية، وأن يخصص الملوك بالتّنفيذ فقط، وأن يكرموا بنسبة الأمر إليهم توقيرًا، وتقبّح شأن الملوك المستبدين.
ومن هذا الباب أيضًا ما ورد في قصة موسى ﵇ مع فرعون في قوله تعالى: ﴿قال الملأ من قوم فرعون إنَّ هذا لساحرٌ عليم * يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون﴾؛ أي قال الأشراف بعضهم لبعض: ماذا رأيكم؟ (قالوا) خطابًا لفرعون وهو قرارهم: ﴿أَرجِه وأخاه وأرسِل في المدائن حاشرين * يأتوك بكلِّ ساحرٍ عليم﴾؛ ثمّ وصف مذاكراتهم بقوله تعالى: ﴿فتنازعوا أمرهم﴾؛ أي رأيهم ﴿بينهم وأسرُّوا النجوى﴾؛ أي أفضت مذاكراتهم العلنية إلى النّزاع فأجروا مذاكرة سرية طبق ما يجري إلى الآن في مجالس الشورى العمومية.
بناءً على ما تقدّم؛ لا مجال لرمي الإسلامية بتأييد الاستبداد مع تأسيسها على مئات الآيات البيِّنات التي منها قوله تعالى: ﴿وشاورهم في الأمر﴾؛ أي في الشأن، ومن قوله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم﴾؛ أي أصحاب الرأي والشأن منكم، وهم العلماء والرؤساء على ما اتَّفق عليه أكثر المفسِّرين، وهم الأشراف في اصطلاح السياسيين. ومما يؤيِّد هذا المعنى أيضًا قوله تعالى: ﴿وما أمرُ فرعون﴾؛ أي ما
1 / 35