Ta'ammulai
تأملات: في الفلسفة والأدب والسياسة والاجتماع
Nau'ikan
وقفت السيدة بهية هانم برهان على الجمعية الخيرية الإسلامية للتعليم سرايها الفسيحة الجميلة بشارع درب الجماميز لتكون معهدا علميا.
وأجرت عليها من ريع وقفها ستمائة جنيه سنويا خلافا لريع البيوت والحوانيت الملحقة بالسراي مما يبلغ ريعه مائتي جنيه في العام.
وقفت كل ذلك وقفا نهائيا خاليا من الشروط العشرة، وقفت كل ذلك وقفا منجزا لا معلقا على انقضاء الذرية ولا على أية حادثة مستقبلة، بل السراي والريع صارا من الآن للجمعية الخيرية.
فما أجدر هذا العمل الصالح بأن يكون للأغنياء والموسرين القدوة الحسنى من وضع الشيء في محله، ودليلا على الإحسان في الإحسان.
إنما الصدقات للفقراء والمساكين حق على الأغنياء والموسرين، كانت ولا تزال، وكذلك تبقى جارية ما دامت في الإنسان عاطفة الحنان إلى الضعيف وإلى الفقير، وما دام الشوق إلى منفعة الوطن يدفع الناس إلى التضحيات المالية وغير المالية، غير أن الصدقة تعظم بكبر قيمتها ومقدار الحاجة إليها وعلى نسبة ما تنتج من الخير العام للأمة، ومن هذا النوع مبرة الأميرة الكبيرة فاطمة هانم أفندي والمحسنة الخالدة الذكر السيدة بهية هانم برهان فإنهما عرفتا كيف يقرضان الله قرضا حسنا؛ ليضاعفه لهما أضعافا مضاعفة، وعلى أي نوع تقدمان لمصر أكبر ما يمكن من المنافع.
برهنت الجمعية الخيرية الإسلامية بالعمل المتواصل في السكون والعزلة عن كل جلبة وضوضاء على أنها أمتن الجمعيات الخيرية نظاما وأكبرهن ثقة وأوسعهن إدارة للتعليم، إنها أخذت على عاتقها تعليم الفقراء منذ قبضت الحكومة يدها على تعليمهم وقبل أن يوجد في البلاد جمعيات أخرى تهتم بأمر الفقير، وقبل أن يكون لمجالس المديريات عناية بأمر التعليم، في مدارس الجمعية الخيرية أكثر من ستة آلاف تلميذ يتعلمون، بعضهم على نفقة أوليائهم، ومن ليس له ولي قادر على تعليمه، فوليه الجمعية تعلمه على نفقتها، ذلك عملها في التعليم، وأما إعانة الفقراء ورعايتهم بالصدقة الخفية والرعاية الصامتة غير المتبوعة بالمن فذلك يعرفه الذين حضرتهم معونة الجمعية في وقت الضيق، والذين جاءتهم رسلها تخلصهم من حيرة الموقف من حيث لا يحتسبون.
لا شك في أن الاعتبارات هي التي حركت عواطف السيدة بهية هانم الشريفة إلى توسيط الجمعية في إيصال برها للفقراء والمساكين، فاختصتها بهذه الهبة العظمى التي لا نسمع بمثلها في بلادنا، وما أجمل أثر البر في نفس فاعله وفي نفس المسدى إليه، ولو رأيت وفد الجمعية الخيرية الإسلامية يتقدمه دولة رئيسها الأمير الجليل حسين كامل باشا ووراءهم أبناء الجمعية الفقراء يحيون باسم الإنسانية تلك السيدة المحسنة في شخص وكيلها الرجل النبيل أمين بك يحيى، وينشد التلاميذ نشيدهم لتمجيد هذا العمل الصالح، لوددت أن تكون لك كنوز الأرض تهبها لتعليم الفقراء، ولانفعلت نفسك بأن في الكرم بسالة تأخذ النفوس بأكبر مما تأخذها بسالة أبطال الحروب وأن له جلالا فوق جلال القدرة والسلطان!
أجل ليس الكرم أو إنفاق المال على حبه لتعليم اليتامى والمساكين ومواساة الفقراء إلا نزولا عن مقومات حفظ الذات وتضحية لا تقل في شيء عن الضحايا التي يقدمها الأبطال لخير الإنسانية.
أحسنت أيتها السيدة المحسنة وليدم برك بالفقراء، القدوة الحسنة للنساء وللرجال جميعا.
الآثار القديمة1
Shafi da ba'a sani ba