San Yatsan Abu al-Sin
سن ياتسن أبو الصين
Nau'ikan
وقيل عن هذه المشروعات كثيرا إنها مرتجلة متعجلة، ولكنها على التحقيق لم تكن وليدة عام ولا بضعة أعوام، بل لازمه درسها وتقليبها على جوانبها أكثر من عشرين سنة، ومات وهو ينقح برامجه التي استهل بها حياته السياسية، ويرتب المراحل التي تتدرج عليها إلى منتهاها، مع تذكيره القراء والمستمعين أنها قابلة للتنقيح المتعاقب أثناء الطريق.
مات وهو يقول ويعمل لتثبيت مبادئه الثلاثة: الديمقراطية والسيادة الشعبية ورخاء المعيشة أو الاشتراكية.
ولم يخطئ التقدير إلا حين خطر له أن الصين قادرة على البدء بتطبيق تلك المبادئ عقب إعلان الجمهورية، فانقضى أكثر من عشر سنوات والجمهورية تبتلى بمحنة بعد محنة، والبدء بالتطبيق يتأخر سنة بعد سنة، فلم يزل برنامجه إلى أخريات أيامه محتاجا إلى أدواره الثلاثة: دور التوطيد ودور التوجيه ودور الحكومة الدستورية.
فمنذ أعلن في بروسل مبادئه الثلاثة قرر لمريديه أن بلادا تتسع اتساع الصين لن تستغني عن القوة لتوطيد أمنها واستقرار أمورها عقب إعلان الجمهورية، ثم يتوجه بها خدامها أو زعماؤها إلى وجهتها القويمة مع إيمانهم بسيادة الشعب وصدورهم عن هذا الإيمان في أعمال التشريع والإدارة، ثم تستفيد كل ولاية من تجاربها المحلية وتجتهد اجتهادها لتوثيق علاقتها بالحكومة المركزية، وساوره الرجاء أن تتم المرحلتان الأوليان بعد ثماني سنوات، ولم يحلم برؤية النتيجة أيام حياته، ولكنه لم يستبعد أن يفارق الحياة وهو مطمئن إلى نتيجة مرضية يشهدها الجيل الذي يليه.
وفي الباب التالي الذي نفرده لاقتباس أقواله زبدة من آرائه ومشروعاته نختارها من كتبه وندع لصاحب الترجمة أن يترجم لنفسه بقلمه ولسانه، فإن سن ياتسن لم يكن زعيم سياسة ولا رئيس حكومة وحسب، وإنما كان قبل ذلك وبعد ذلك صاحب مدرسة اجتماعية ودعوة فكرية، ومن كان كذلك فهو ذو حق في توضيح آرائه وتوضيح منحاة في الفهم والعمل.
وذلك ما نتركه له في الباب التالي، متبعين فيه ترتيب «الأهمية» غالبا وترتيب التاريخ ما تيسر، وهما على الجملة متقاربان؛ لأنه - كما قدمنا - قد أخر الابتداء بالعمل من فترة إلى فترة، فلم يتباعد الشوط بين الابتداء والختام.
من أقواله
(1) ذكريات من كتاب «مذكرات صيني ثائر»
منذ سنة 1885 - أي من عهد الهزيمة في حربنا مع فرنسا - وضعت نصب عيني خلع أسرة تاي تسنج وتأسيس حكومة جمهورية على أنقاضها، وابتدأت باختيار الكلية التي أدرس فيها لنشر دعوتي، ناظرا إلى صناعة الطب كأنها العمة الرءوم التي تقود إلى طريق السياسة العامة.
ومضت عشر سنوات كيوم واحد، وكنت في كلية كانتون الطبية قد صادقت شن شي ليانج الذي كان على اتصال واسع بمعارف كثيرين لهم علم حسن ببلاد الصين، فلما فاتحته في شأن الثورة وأمثلتها العليا وجدت منه موافقة وصارحني باستعداده للاشتراك في الحزب الذي يعمل لها على شريطة أن أتولى أنا قيادته، ونمى إلي بعد سنة في كلية كانتون الطبية أن مدرسة طبية إنجليزية ذات برنامج أوسع من برنامج مدرسة كانتون قد افتتحت في هونج كونج، فذهبت إليها يستهويني خاطر العمل على نشر الدعوة في نطاق أوسع مع إتمام تعليمي، وقضيت أربع سنوات عاكفا على نشر الدعوة طوال الوقت الذي أفرغ فيه من دروسي، متنقلا ما بين هونج كونج وأموي، ولم يكن لي يومئذ أعوان غير ثلاثة مقيمين في هونج كونج هم: شن شاوبو ويو شاو شي ويانج هولين، ورجل واحد مقيم بشنغهاي هو لوكو تنج، واجتنبني الآخرون؛ لأنني ثائر متمرد كاجتنابهم من يخافون من عدوى الطاعون.
Shafi da ba'a sani ba