فابتسمت شفتا رياض رغم كآبته وقال: إني أتساءل عن المسلمين فما دخلك أنت؟ - أليس موقفنا واحدا؛ أعني أنا وأنت؟ - بلى مع فارق بسيط، وهو أنك لست من الأقلية .. (ثم وهو يبتسم): لو عشت في عصر الفتح الإسلامي وتكشف لي الغيب لدعوت الأقباط جميعا إلى الدخول في دين الله! ..
ثم في شيء من الاحتجاج: إنك لا تصغي إلي ..! - أجل!
كانت عيناه مصوبتين نحو مدخل القاعة. ونظر رياض إلى حيث ينظر فرأى فتاة في مقتبل العمر، ترتدي فستانا رماديا بسيطا، في هيئة الطالبات، وقد جلست في المقاعد الأمامية المخصصة للسيدات. - تعرفها؟ .. - لا أدري؟ ..
وانقطعت فرصة الكلام إذ ظهر الأستاذ المحاضر على المنصة ودوت القاعة بالتصفيق الحاد، ثم ساد الصمت الذي تبدو فيه السعلة كالذنب الفاضح، ثم قدمه مدير الجامعة الأمريكية بكلمة مناسبة، ثم بدأ الرجل في إلقاء محاضرته. وظل كمال أكثر الوقت متجه العينين نحو رأس الفتاة في تساؤل واهتمام. وكان قد رآها مصادفة عند دخولها، فدهمه منظرها، وانتزعته بقوة من تيار أفكاره، ثم قذفت به في الماضي عشرين عاما ثم استردته إلى الحاضر وهو يلهث. خيل إليه أول الأمر أنه يرى عايدة. غير أنها لم تكن عايدة دون ريب .. هذه الفتاة التي لا يمكن أن تجاوز العشرين. ولم يتح له وقت كاف كي يتفحص قسماتها ولكن جملة منظرها كان فيه الكفاية، هيئة الوجه والقامة والروح ومجتلى العينين، أجل لم ير هاتين العينين في غير وجه عايدة من قبل. أتكون شقيقتها؟ خطر له هذا الرأي أول ما خطر. بدور. ولم يغب عنه الاسم هذه المرة. وسرعان ما ذكر صداقتها له في الماضي البعيد، ولكن هيهات - أن تكون حقا هي - أن تتذكره. المهم أن صورتها أيقظت قلبه، ردته ولو إلى حين إلى شيء من تلك الحياة الغامرة الغنية التي اكتظ بها زمنا؛ فهو في اضطراب، يسمع إلى الأستاذ المحاضر دقائق ثم ينظر إلى رأس الفتاة أكثر الوقت، ثم يغرق في موجة الذكريات، مستشعرا في أناة جملة المشاعر التي تتلاحم وتصطرع في وجدانه. فلأتبعها لأعرف حقيقتها، لا غاية لي ولكن الملول مشاء، إني أتوق لأي شيء قد يمسح عن روحي الصدأ المتكاثف فوقها. وتربص مبيتا هذه النية، ترى أطالت المحاضرة أم قصرت؟ لا يدري. ولكنه عند انتهائها أفضى بغرضه إلى رياض ثم ودعه وسار في أثر الفتاة. تابع بعناية مشيتها، مشية رشيقة، قامة هيفاء، لا يستطيع أن يقارن بين المشيتين لأن الأخرى لم يعد متوكدا منها، أما القامة فأغلب الظن أنها هي هي، وكان شعر الأخرى «ألاجرسون» أما هذا الشعر فغزير معقوص، ولكن اللون الأسود واحد في الحالين ما في ذلك شك، ولم يستطع أيضا أن يتفحص وجهها على محطة الترام لازدحامها بجمهور المستمعين، ولكنها استقلت الترام رقم 15 الذاهب إلى العتبة وانحشرت في الحريم فاستقله وراءها وهو يتساءل: ترى أهي في طريقها إلى العباسية أم إن ما يفترضه ليس إلا أضغاث أحلام؟ عايدة لم تستقل تراما في حياتها قط، كان رهن أمرها سيارتان، أما هذه المسكينة ..! وداخله حزن كحزنه يوم استمع إلى قصة إفلاس شداد بك وانتحاره. وأفرغ الترام أكثر حمولته في العتبة فاختار موقفا غير بعيد منها فوق طوار المحطة، وجعلت تنظر صوب الناحية التي تترقب مجيء الترام منها فرأى جيدها الطويل النحيل؛ ذلك العهد القديم، ثم لاحظ أن بشرتها قمحية اللون مع ميل إلى البياض، ليست خمرية كالصورة الذاهبة، فشعر لذلك بأول أسف منذ تبعها. كأنما تبعها ليرى الأخرى. ثم جاء ترام العباسية فتأهبت للركوب، ولما وجدت الحريم مزدحمة استقلت عربة الدرجة الثانية، ولم يتردد فكان في أعقابها، وجلست فجلس إلى جانبها، ثم امتلأت المقاعد على الصفين، ثم امتلأ ما بينهما بالواقفين. ووجد لتوفيقه في الجلوس إلى جانبها ارتياحا لا مزيد عليه، غير أن جلوسها بين جمهور الدرجة الثانية أحزنه مرة أخرى. ربما لما يحدثه ذلك من تباين عند مطابقة الصورتين، القديمة الخالدة والماثلة إلى جانبه. وكان منكبه يلامس منكبها ملامسة خفيفة كلما ند عن الترام حركة مفاجئة خاصة عند القيام والوقوف، وجعل يلاحظها كلما أمكن ويتفحصها ما استطاع. هاتان العينان السوداوان الساجيتان، والحاجبان المقرونان، والأنف السوي اللطيف، والوجه البدري. كأنه ينظر إلى عايدة. حقا؟ كلا، ثمة تباين في لون البشرة، ولمسة اختلاف هنا أو هناك، لا يذكر إن كانت إلى الزيادة هي أم إلى النقصان، ومع أن تباينهما كان يسيرا إلا أن إحساسه به كان خطيرا؛ فهو كدرجة الحرارة الواحدة التي قد تكون فاصلا بين الصحة والمرض، ولكنه كان في الوقت نفسه حيال أقرب مثال إلى عايدة التي خيل إليه أنه بات يذكرها أوضح من أي وقت مضى على ضوء هذا الوجه الجميل. والجسم لعله هو هو، ما أكثر ما تساءل عنه، فلعله الآن يراه، وهو رشيق نحيل، صدره آية في الحياء، كذلك هو في جملته، لا يمت بسبب إلى جسم عطية البض المدملج الذي يتعشقه! فهل فسد ذوقه على مر الأيام؟ أو أن حبه القديم كان ثائرا على غريزته الكامنة؟ بيد أنه كان حبا سعيدا حالما ثمل القلب بنشوات الذكريات، وكانت ملامساته المتقطعة لها تزيده نشوة وإغراقا في التأملات، إنه لم يمس عايدة، كان يراها أبدا مستحيلة المنال، أما هذه الصغيرة فهي تسير في الأسواق وتجلس في تواضع بين جمهور الدرجة الثانية، فما أشد حزنه، وذلك التباين الطفيف الذي أحنقه وخيب أمله، وقضى على حبه القديم بأن يبقى لغزا إلى الأبد. وجاء الكمسارى مناديا «التذاكر والأبونيهات» ففتحت حقيبتها وأخرجت تذكرة الاشتراك وانتظرت حتى يصل الرجل إليها، فاسترق إلى التذكرة النظر حتى عثر على اسمها «بدور عبد الحميد شداد .. طالبة بكلية الآداب»، لم يعد ثمة شك، أن قلبي يخفق أكثر مما ينبغي، لو أستطيع أن أنشل هذا الاشتراك! كي أحتفظ بأقرب صورة لعايدة، آه لو كان في الإمكان هذا، مدرس في السادسة والثلاثين ينشل طالبة بكلية الآداب؟ يا له من عنوان مثير تتمناه الجرائد، فيلسوف فاشل في حدود الأربعين! ترى ما سن بدور؟ لم تكن تجاوز الخامسة عام 1926 فهي في الواحدة والعشرين من عمرها السعيد، السعيد؟! لا قصر ولا سيارة ولا خدم ولا حشم، ولم تكن دون الرابعة عشرة حين حلت الكارثة بأسرتها، وهو عمر حري بأن يدرك معنى الكارثة ويذوق الألم، تألمت المسكينة وذعرت، ابتليت بهذا الشعور القاسي الذي أصبحت به جد خبير، جمعنا الألم على تفاوت في الزمن كما جمعتنا الصداقة القديمة المنسية .. وجاءها الكمساري، فسمعها وهي تقول له: «تفضل»، ثم ناولته التذكرة . وطرق الصوت مسمعه كنغمة قديمة محبوبة طواها النسيان دهرا طويلا ثم انبعثت في السمع بكل حلاوتها وجميع ذكرياتها فأحيت فترة سماوية من الزمن، دومت أذنه في مملكة الطرب الإلهية مستهدفة أحلام الزمان الغابر، هذه النغمة الدافئة الرخيمة المفعمة بسحر الطرب. أسمعيني صوتك وما هو بصوتك. يا صديقتي القديمة السيئة الحظ، من حسن الحظ أن صاحبة هذا الصوت الأصلية ما زالت تنعم بمثل حياتها الأولى، لم ترتق إليها الأحزان التي أغرقت أسرتها، أما أنت فقد انحدرت إلينا نحن جمهور الدرجة الثانية، ألا تذكرين صديقك الذي كنت تتعلقين بعنقه وتبادلينه القبل؟ كيف تعيشين اليوم يا صغيرتي؟ وهل تعملين مثلي في النهاية مدرسة بإحدى المدارس الابتدائية؟ ومر الترام بمكان القصر القديم الذي قام في موضعه بناء ضخم جديد. وقد رآه قبل ذلك في المرات القلائل التي زار فيها العباسية منذ انقطاعه التاريخي عنها خاصة في العهد الأخير وهو يتردد على بيت فؤاد جميل الحمزاوي. العباسية نفسها تغيرت كبيتكم يا صغيرتي، اختفت قصورها وحدائقها التي عاصرت حبي وحزن، وقامت مكانها العمارات الضخمة المكتظة بالسكان والحوانيت والمقاهي والسينمات، فليسر بذلك أحمد المفتون بمتابعة صراع الطبقات، أما أنا فكيف أشمت بالقصر وآله على حين أن قلبي مطمور في أنقاضه؟ أو كيف أحتقر المخلوق البديع الذي لم يذق نكد العيش ولا زحمة الشعب إذ كان يخطر كالمعنى الجميل وقلبي له ساجد؟
وعندما توقف الترام في المحطة التالية لقسم الوايلي غادرته فتبعها ووقف على طوار المحطة يراقبها. فرآها وهي تعبر الطريق إلى شارع «ابن زيدون» الذي يواجه المحطة مباشرة. كان شارعا ضيقا تقوم على جانبه بيوت قديمة من بيوت الطبقة الوسطى وتغطي وجهه الممهد بالأسفلت الأتربة والحصى والأوراق المبعثرة وقد دخلت ثالث بيت إلى اليسار من باب ضيق تلاصقه دكان كواء. ووقف ينظر إلى الطريق والبيت في صمت واجم؛ ذلك المكان الذي تقيم فيه اليوم سنية هانم حرم شداد بك! وهذه الشقة لا يزيد إيجارها على ثلاثة جنيهات، وليت سنية هانم تخرج إلى الشرفة ليلقي عليها نظرة ويقيس ما حاق بها من تغير لا شك أنه خطير، ولعله لم ينس بعد منظرها النفيس حين كانت تغادر السلاملك متأبطة ذراع زوجها إلى حيث تنتظر السيارة، كانت تختال عجبا في معطفها الوثير وتلقي على ما حولها نظرات مليئة بالسؤدد والطمأنينة، ولن يمنى الإنسان بعدو أشد فتكا من الزمن، في هذه الشقة نزلت عايدة في أثناء إقامتها بالقاهرة، ولعلها جلست بعد العصاري في هذه الشرفة البالية، ولعلها قاسمت أمها وأختها فراشهما الواحد ما في ذلك ريب، فليتني علمت بوجودها في الوقت المناسب، وليتني رأيتها بعد ذلك التاريخ الطويل، كان ينبغي أن أراها وأنا متحرر من استبدادها، كي أعرفها على حقيقتها، وبالتالي كي أعرف نفسي أنا ولكن ضاعت هذه الفرصة النادرة ..
42
جلس كمال بين طلبة وطالبات قسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب يصغي إلى الدرس الذي يلقيه الأستاذ الإنجليزي. لم تكن أول مرة يحضر فيها هذا الدرس ولا آخر مرة فيما بدا له. ولم يكن قد وجد صعوبة تذكر عند الاستئذان في الحضور - كمستمع - لمتابعة الدروس المسائية التي تلقى ثلاث مرات في الأسبوع، وأكثر من هذا فإن الأستاذ قد رحب به عندما علم بأنه مدرس لغة إنجليزية. أجل كان غريبا بعض الشيء أن يعنى بمتابعة هذه الدروس في أواخر العام الدراسي، ولكنه علل ذلك أمام الأستاذ بأنه يقوم ببحث استدعى متابعة هذه المحاضرات رغم ما فاته منها، وكان قد علم بوجود بدور في هذا القسم عن طريق رياض قلدس الذي عرفه بدوره عن طريق صديقه سكرتير الكلية. وبدا منظره، ببذلته الأنيقة ونظارته الذهبية وطوله ونحوله وشاربه الغليظ وشعيراته البيض التي تلتمع في سوالفه إلى رأسه الضخم وأنفه الكبير، بدا كل أولئك ملفتا للأنظار خاصة وهو يجلس بين عدد محدود من الشباب الغض، فكم بدوا كالمتسائلين وكم حدجوه بنظرات لم يرتح لها، حتى خيل إليه أنه يسمع ما يدور في نفوسهم من ملاحظات وتعليقات هو أدرى الناس بها وأخبر! هو نفسه كان يعجب لهذه الخطوة الخارقة التي أقدم عليها دون مبالاة على ما جشمته من جهد وحرج، ما بواعثها الحقيقية وما هدفها؟ لا يدري شيئا على وجه التحقيق ولكنه ما إن رأى بارقة نور في ظلمة حياته الداكنة حتى انطلق يتسمته وهو لا يلوي على شيء مدفوعا بقوى هائلة من اليأس والأشواق والأمل، غير مبال بما قد يعثر به في طريق محفوف بالتزمت والتقاليد من ناحية، وبالشباب المتوثب للسخرية من ناحية أخرى. كان غارقا في اليأس والملل فجرى ملهوفا وراء هذا الشيء الذي لا يشك في أنه تسلية وأي تسلية، وحياة وأي حياة، وبحسبه أنه انقلب يهتم بالزمن وينشد الأمل ويأمل في المسرة، بل وها هو قلبه يخفق وكان قبل ذلك ميتا، وكان يشعر بضيق الوقت، فالعام الدراسي يشارف نهايته المحتومة، بيد أن محاولته لم تضع هباء، فبدور قد رأته كما رآه الجميع، ولعلها شاركت فيما يدور من همس حوله، إلى أن عينيهما قد تلاقتا أكثر من مرة، ولعلها طالعت في عينيه ما يضطرم في ذاته من الاهتمام والإعجاب، من يدري؟ وفضلا عن هذا كله فعند العودة يستقلان ترام الجيزة معا ثم ترام العباسية، وكثيرا ما يجلسان في مكان واحد، فباتت تعرفه جيدا، وهو نجاح لا بأس به لشخص بعيد عن حيها كله، خاصة إذا كان مدرسا حريصا على مظاهر مهنته وما تقتضيه من استقامة ووقار. أما عن غايته من هذا كله فلم يشق على نفسه في تحقيقها. لقد دبت فيه الحياة بعد موات فتهالك عليها، وهو تواق بكل قوة نفسه المعذبة إلى أن يعود ذلك الإنسان الذي تعتلج في وجدانه المشاعر وتهيم في عقله الخواطر وتتجلى في حواسه المناظر، وأن ينسى بهذا السحر ضجره وسقمه وحيرته أمام ألغاز لا تحل، كأنها الخمر ولكنها أعمق متاعا وألطف عاقبة. وفي الأسبوع الماضي حدث شيء تأثر له قلبه أيما تأثر. فقد عاقه إشرافه على النشاط الرياضي بمدرسة السلحدار عن الوصول إلى الكلية في الوقت المناسب، فدخل حجرة الدرس متأخرا، والتقت عيناهما عند دخوله وهو يسير على أطراف أصابعه أن يحدث صوتا، التقت عيناهما التقاء خاطفا سحريا ، وسرعان ما أرخت جفونها فيما يشبه الحياء. لم تكن أذن مجرد نظرة تلتقي فيها عينان محايدتان، وبات مرجحا أنها استشعرت شيئا من الحياء، فهل كان يقع هذا لو كان نشاط عينيه قد ضاع عبثا؟! الصغيرة باتت تستحي من نظراته فلعلها أخذت تدرك أنها ليست بالنظرات البريئة التي توجهها المصادفة. وأثار ذلك في نفسه جملة من الذكريات واستدعى كثيرا من الصور، حتى وجد نفسه يتذكر عايدة ويتخيلها، ولكنه لم يدر لماذا، فإن عايدة لم تغض الطرف حياء حياله قط، فلعل شيئا آخر الذي ذكره بها، لفتة أو رنوة أو ذلك السر الساحر الذي ندعوه بالروح. وأول أمس حدث شيء آخر له خطورته كذلك، انظر كيف ردت الحياة إليك! قبل ذلك لم يكن لشيء خطورة قط، أو لم تكن تضفي الخطورة إلا على هذه الألغاز العقيمة كالإرادة عند شوبنهور أو المطلق عند هيجل أو وثبة الحياة عند برجسون، كانت الحياة كلها صماء لا خطر لها، انظر اليوم كيف أن رنوة أو لفتة أو ابتسامة قد تزلزل لها الأرض جميعا! حدث ذلك وهو ماض إلى الكلية قبل الخامسة مساء مخترقا حديقة الأورمان، فما يدري إلا وبدور وثلاث فتيات يطالعنه على أريكة ينتظرن عليها ميعاد الدرس، والتقت عيناهما التقاء عميقا كما وقع في حجرة الدرس، وكان يود أن يحييهن عند الاقتراب ولكن الممشى الذي يسير فيه عرج به بعيدا عنهن كأنه أبى أن يشترك في هذه المؤامرة العاطفية المرتجلة، ولما ابتعد قليلا التفت وراءه فرآهن يهمسن في أذنها باسمات وهي مسندة رأسها إلى راحتها كأنما تخفي وجهها! ما هذا المنظر البديع؟! لو كان رياض معه لأحسن تحليله وتفسيره، ولكنه لا يحتاج إلى براعة رياض، لا شك أنهن يهمسن لها عنه حتى أخفت وجهها حياء! هل ثمة معنى غير هذا؟ فلعل الصب فضحته عيونه، ولعله جاوز المدى وهو لا يدري حتى صار أحدوثة، وماذا يكون من أمره لو انقلب الهمس تعريضا يتمازح به الطلبة الشياطين؟ وفكر جادا في الانقطاع عن الكلية، ولكنه وجدها تجلس إلى جانبه في ترام العباسية ذلك المساء كما حدث أول يوم تبعها فيه! وترصد التفاتها ناحيته ليحييها وليكن ما يكون، فلما طال انتظاره بعض الشيء التفت هو ثم تظاهر بأنه فوجئ بجلوسها لصقه فهمس في أدب: مساء الخير ..
فنظرت نحوه كالدهشة - لم تترك له عايدة ذكرى تصنع أنثوي من أي نوع كان - ثم همست: مساء الخير ..
زميلان يتبادلان التحية ولا غبار على ذلك، لم يكن مع أختها بهذه الجرأة، ولكنها كانت الكبرى وكان الصغير الساذج. - حضرتك من العباسية فيما أعتقد؟ - نعم ..
لا تريد أن تدفع الحديث من ناحيتها! - من المؤسف أنني لم أتابع المحاضرات إلا أخيرا .. - نعم .. - أرجو أن أعوض ما فاتني في المستقبل ..
Shafi da ba'a sani ba